للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لم قال: {وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} فيجعل ما كان من اليد كلاما، وما كان من الرجل شهادة؟ قيل: إن اليد مباشرة لعمله، والرجل حاضرة، وقول الحاضر على غيره شهادة، وقول الفاعل على نفسه إقرار بما قال، أو فعل، فلذلك عبر عما صدر من الأيدي بالقول، وعما صدر من الأرجل بالشهادة. انتهى. قرطبي. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بما بعده. {نَخْتِمُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر، تقديره: «نحن». {عَلى أَفْواهِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. (تكلمنا): فعل مضارع، و (نا): مفعول به. {أَيْدِيهِمْ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وجملة: {(تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ)} معطوفة عليها، لا محل لها أيضا.

{بِما:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو: بشيء كانوا يكسبونه، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بكسبهم. {كانُوا:} فعل ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة: {يَكْسِبُونَ} في محل نصب خبرها.

{وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنّى يُبْصِرُونَ (٦٦)}

الشرح: {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ} أي: لو نشاء لأعميناهم، فلا يبصرون طريقا إلى تصرفهم في منازلهم، ولا غيرها. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: المعنى: لأعميناهم عن الهدى، فلا يهتدون أبدا إلى طريق الحق، انتهى. فيكون في الكلام استعارة. {فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ:} فاستبقوا الطريق الذي اعتادوا سلوكه؛ ليجوزوا. {فَأَنّى يُبْصِرُونَ:} فكيف، أو:

من أين يبصرون وجهة السلوك في الطريق، والحال طمسنا أعينهم وأعميناهم عنه؟!

وقال عطاء، ومقاتل، وقتادة، وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهم-: ولو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم، وأعميناهم عن غيهم، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى، فاهتدوا وأبصروا رشدهم، وبادروا إلى طريق الآخرة، ولكننا لم نفعل ذلك بهم، فكيف يهتدون، وعين الهدى مطموسة، على الضلال باقية؟! انتهى. قرطبي.

وفيه أيضا، ما روي عن عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال: إذا كان يوم القيامة، ومدّ الصراط؛ نادى مناد: ليقم محمد صلّى الله عليه وسلّم وأمته، فيقومون برّهم، وفاجرهم يتبعونه ليجوزوا الصراط، فإذا صاروا عليه طمس الله أعين فجارهم، فاستبقوا الصراط، فمن أين يبصرونه، حتى يجاوزوه؟! ثم ينادي مناد، ليقم

<<  <  ج: ص:  >  >>