للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨)}

الشرح: {وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ} أي: ولقد دعانا نوح حين أيس من قومه، فقال: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ،} وقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً}. {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} أي: دعانا فأجبناه، وأهلكنا قومه، والجمع دليل العظمة، والكبرياء، وانظر (نا) في الآية رقم [٣٤] من سورة (يس) والمعنى: إنا أجبناه أحسن الإجابة، ونصرناه على أعدائه، وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون.

{وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ} أي: ومن آمن به، وأولاده. {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} أي: من الغم الذي لحق قومه، وهو الغرق. {وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال، والنساء إلا ولده، ونساءه، فذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ}. وقال سعيد بن المسيب-رحمه الله تعالى-: كان ولد نوح ثلاثة، والناس كلهم من ولد نوح، فسام أبو العرب، وفارس، والروم، واليهود، والنصارى. وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب: السند، والهند، والنوب، والزنج، والحبشة، والقبط، والبربر، وغيرهم.

ويافث أبو الصقالبة، والترك، واللان، والخزر، ويأجوج، ومأجوج، وما هنالك. وقال قوم:

كان لغير ولد نوح أيضا نسل، بدليل قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ}. رقم [٣] من سورة (الإسراء)، وقوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ..}.

إلخ رقم [٥٨] من سورة (مريم)، وقوله تعالى: {قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ..}. إلخ. رقم [٤٨] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

فعلى هذا معنى الآية: وجعلنا ذريته، وذرية من آمن معه هم الباقين، دون ذرية من كفر، فإنهم أغرقوا بسبب كفرهم.

{وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} أي: تركنا عليه ثناء حسنا في كل أمة، فهو كناية لطيفة عن ذلك، فإنه محبب إلى الجميع، حتى إن في المجوس من يقول: إنه أفريدون، وقيل المراد في الآخرين: أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: في الأنبياء؛ إذ لم يبعث بعده نبي إلا أمر بالاقتداء به، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً..}. إلخ الآية رقم [١٣] من سورة (الشورى). هذا والذكر الحسن الجميل للإنسان بعد موته عمر ثان له، كما قال أحمد شوقي -رحمه الله تعالى-: [الكامل]

دقّات قلب المرء قائلة له... إنّ الحياة دقائق وثوان

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها... فالذّكر للإنسان عمر ثان

<<  <  ج: ص:  >  >>