لم تعلم خاتمته؛ فلا يدعى عليه؛ لأن مآله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة، وإنما خص النبي صلّى الله عليه وسلّم بالدعاء عتبة، وشيبة، وأصحابهما لعلمه بمآلهم، وما كشف له من الغطاء عن حالهم، والله أعلم. انتهى. قرطبي. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٨] من سورة (الأحزاب) بشأن اللعن تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
هذا؛ وقال أبو السعود-رحمه الله تعالى-: {وَقالَ نُوحٌ رَبِّ..}. إلخ عطف على نظيره السابق، وقوله: {مِمّا خَطِيئاتِهِمْ..}. إلخ اعتراض وسط بين دعائه عليه السّلام، للإيذان من أول الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق، والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطاياهم؛ التي عددها نوح، وإشارة إلى أن استحقاقهم للإهلاك لأجلها. وهذا منه-رحمه الله-بيان للحكمة في تأخيره الدعاء عن قوله: {مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا} مع أن الدعاء مقدم في الواقع على إغراقهم.
هذا؛ و (ديّار) بمعنى: أحد، وديّار، وأحد لا يستعملان إلا بعد نفي، أو شبهه، ومنه الآية الكريمة، وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} وقال الشاعر-وهو الشاهد رقم [٨١٣] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [٧٣] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [البسيط]
وما نبالي إذا ما كنت جارتنا... ألاّ يجاورنا إلاّك ديّار
ووزن ديّار: فيعال من الدور، أو من الدار، وأصله ديوار، فلما اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، ولو كان وزنه فعّالا بتكرير العين لكان دوّارا. هذا؛ ومثل ديّار، وأحد في المعنى، وتقدم النفي عليهما: عريب، قال عبيد بن الأبرص من معلقته رقم [٣]: [مخلع البسيط]
فعردة فقفا حبرّ... ليس بها منهم عريب
الإعراب: {وَقالَ نُوحٌ رَبِّ:} الجملة الفعلية معطوفة على مثلها في الآية رقم [٢١] وهي مثلها في الإعراب. {لا:} دعائية. {تَذَرْ:} فعل مضارع مجزوم ب: {لا،} والفاعل مستتر تقديره:
«أنت». {عَلَى الْأَرْضِ:} متعلقان بما قبلهما. {مِنَ الْكافِرِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {دَيّاراً} كان صفة له، فلما قدم عليه؛ صار حالا على القاعدة: «نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا». {دَيّاراً:} مفعول به، وجملة: {لا تَذَرْ..}. إلخ في محل نصب مقول القول.
{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً (٢٧)}
الشرح: قال نوح-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-هذا الكلام لعلمه بالتجربة من أحوالهم: أن أولادهم يكونون مثلهم؛ لأنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فعرف طباعهم وأحوالهم، وكان الرجل منهم ينطلق إليه بابنه، ويقول له: احذر هذا؛ فإنه كذاب، وإن