للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الآية رقم [٣٢]: فإنّه جيد، والحمد لله! {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فقد أتبع سبحانه الوعد بالوعيد، ترهيبا عن المخالفة، وترغيبا في الطّاعة. وانظر مثل هذا الترجّي في الآية رقم [١٢٣].

هذا؛ و (لعل) و «عسى» في مثل ذلك تفيدان تحقيق ما ذكر، وفي هذه الآية إطماع من ربّ كريم، فيجري مجرى وعده المحتوم وفاؤه.

فائدة: وفي السّمين ما نصه: (لعل) في كلام الله تعالى للناس فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنّ لعل على بابها من الترجّي، والإطماع، ولكن بالنسبة إلى المخاطبين؛ أي: لعلّكم ترحمون على رجائكم، وطمعكم. وكذا قال سيبويه في قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} أي: اذهبا على رجائكما.

والثاني: أنّها للتعليل؛ أي: أطيعوا الله؛ لكي ترحموا، وبه قال قطرب، والطبري، وغيرهما.

والثالث: أنها للتعرّض للشّيء، كأنه قيل: افعلوا ذلك متعرّضين لأن ترحموا.

الإعراب: ({أَطِيعُوا}): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو وفاعله، والألف للتفريق.

{اللهَ:} منصوب على التعظيم. {وَالرَّسُولَ:} معطوف عليه. {لَعَلَّكُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {تُرْحَمُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محلّ رفع خبر (لعلّ) والجملة الاسمية تعليل للأمر، لا محل لها.

{وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)}

الشرح: {وَسارِعُوا..}. إلخ؛ أي: سارعوا بالأعمال الصّالحة، التي توجب المغفرة لكم من ربكم. وقيل: سارعوا بالتّوبة؛ لأنّها تؤدي إلى المغفرة. {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا..}. إلخ: لو وصل بعضها ببعض. وقيل: إنّ الله شبه عرض الجنّة بعرض السموات والأرض، لو وصل بعضها ببعض؛ لكان عرض الجنة في قدرها جميعا. وقيل: إنّ السّماوات السّبع، والأرضين السّبع لو جعلت صفائح، وألزق بعضها ببعض؛ لكان عرض الجنة في قدرها جميعا. وقيل: إنّ الله تعالى شبّه عرض الجنة بعرض السّماوات والأرض، ولا شكّ: أن الطّول يكون أزيد من العرض، فذكر العرض تنبيها على أنّ طولها أضعاف ذلك، ومن عادة العرب: أنّها تعبّر عن سعة الشيء بعرضه دون طوله، قال الشّاعر: [الطويل]

كأن بلاد الله وهي عريضة... على الخائف المطلوب كفّة حابل

«الكفّة» بكسر الكاف: ما يصاد به الظباء، يجعل كالطوق. والأصل فيه: أنّ ما اتّسع عرضه؛ لم يضق، ولم يدقّ، وما ضاق عرضه؛ دقّ، فجعل العرض كناية عن السّعة. وروي: أنّ هرقل أرسل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنك تدعوني إلى جنّة، عرضها السموات والأرض. فأين النّار؟ فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>