له المسلم: يا نصراني! كان وجهها كوجه بنت عمران لما أتت بعيسى تحمله من غير زوج! فمهما اعتقدت في دينك من براءة مريم؛ اعتقدنا مثله في ديننا من براءة عائشة زوج نبينا! فانقطع النّصرانيّ، ولم يحر جوابا.
الإعراب:{وَيُعَلِّمُهُ:} الواو: حرف عطف. ({يُعَلِّمُهُ}): فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:
(الله) والهاء مفعول به أول. {الْكِتابَ:} مفعول به ثان، والأسماء بعده معطوفة عليه، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل، ذكرت تطييبا لقلبها، وإزاحة لما همّها من خوف العتاب، واللوم لمّا علمت أنّها تلد من غير زوج. وقيل: معطوفة على: {وَجِيهاً} أي: فهي في محل نصب حال مثله، وارتضاه مكيّ، وعلى هذين الاعتبارين؛ فالآية السابقة معترضة بين المتعاطفين.
الشرح:{وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ} أي: ونجعله رسولا إلى بني إسرائيل، وكان أول أنبياء بني إسرائيل يوسف بن يعقوب، وآخرهم عيسى، على نبينا، وعليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام.
وتخصيص بني إسرائيل بالذّكر لبيان: أنه أرسل إليهم خاصة، ولم تكن رسالته، كما في رسالة نبينا، وعظيمنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإنها كانت للإنس، والجنّ، والأبيض، والأسود، والعرب، والعجم.
{أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: بعلامة على صدقي. والمراد: المعجزات التي أيده الله بها. {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ} أي: أصور لكم؛ أي: لأجل هدايتكم، وتصديقكم بي. {مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} الهيئة: الصورة المهيّأة. من قولهم: هيأت الشيء: إذا قدّرته، وأصلحته. {فَأَنْفُخُ فِيهِ} أي: في الطين المصور. والضمير للكاف؛ أي: في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير.
{فَيَكُونُ طَيْراً:} فيصير طيرا كسائر الطيور، وانظر شرح الطير في سورة (البقرة) رقم [٢٦٠].
{بِإِذْنِ اللهِ} معناه: بتكوين الله، وتخليقه. والمعنى: أني أعمل هذا التصوير أنا، فأما خلق الحياة؛ فهو من الله تعالى على سبيل إظهار المعجزة على يد عيسى، عليه السّلام، مثل نفخ جبريل، عليه السّلام، في كمّ مريم، والصانع هو الله تعالى، قال وهب-رحمه الله تعالى-: كان الطائر الذي يصنعه يطير ما دام الناس ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم؛ سقط ميتا؛ ليتميّز فعل الخلق من فعل الله تعالى. وقيل: لم يخلق غير الخفاش؛ هذا الذي يطير في الليل. إنما خص الخفاش؛ لأنه من أكمل الطير خلقا؛ لأنه يطير بلا ريش، وله أسنان. ويقال: إنّ الأنثى منه لها ثدي، وتحيض، ولا تبيض، كما تبيض سائر الطيور، وإنما يلد كما يلد الحيوان.