للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك على الوجه الثاني فيه، وجملة: {فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ} معطوفة على جملة: {كَرِهُوا..}. إلخ فهي في محل رفع مثلها.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠)}

الشرح: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ..}. إلخ أي: أفلم يمش كفار مكة في نواحي الأرض، وجهاتها؛ ليروا مصارع الأمم؛ التي كذبت رسلها، وما حلّ بها من الهلاك، والدمار، فيعتبروا بهم؟! وفيه ردع، وزجر للكافرين المكذبين، وللفاسقين الظالمين بأن الله سيهلكهم كما أهلك من قبلهم، فهو حض؛ لينظروا نظرة تبصر، واعتبار، لا نظرة غفلة وإهمال، ينظرون إلى مساكن الأمم الماضية، وديارهم، وآثارهم: كيف أهلكهم الله بذنوبهم، كما قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١١] وغيرها كثير: {ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}. هذا؛ وعاقبة كل شيء: آخره، ونتيجته، ومصيره، وماله، ولم يؤنث الفعل {كانَ} لأنّ (عاقبة) مؤنث مجازي وما كان منه يستوي فيه التذكير، والتأنيث للفعل، أو لأن (عاقبة) اكتسب التذكير من المضاف إليه. وهذا باب من أبواب النحو. انظر الشاهد رقم [٩٠١] وما بعده من كتابنا: «فتح القريب المجيب» تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ} أي: دمر الله عليهم ما اختصّ بهم من أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، وكل ما كان لهم. هذا؛ ودمّره: أهلكه، ودمر عليه: أهلك عليه ما يختص به. {وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها:}

الضمير يعود إلى العاقبة المذكورة، أو للهلكة؛ لأنّ التدمير يدلّ عليها، أو للسنة لقوله عزّ وجل:

{سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا}. هذا؛ و {أَمْثالُها} جمع: مثل بكسر الميم وسكون الثاء، ومثله: مثيل، وشبه، وشبيه. وهو اسم متوغل في الإبهام، فلا يتعرف بإضافته إلى الضمير ونحوه من المعارف، ولذلك نعتت به النكرة في قوله تعالى في سورة (المؤمنون) حكاية عن قول فرعون وقومه: {فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} ويوصف به المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، وهو واضح في مواضعه، وتستعمل على ثلاثة أوجه: الأول: بمعنى الشبيه، كما في الاية الكريمة، ونحوها. والثاني: بمعنى نفس الشيء وذاته، كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} عند بعضهم؛ حيث قال: المعنى ليس كذاته شيء. الثالث: زائدة، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} أي بما آمنتم به، وانظر شرح: (مثل) برقم [٣].

الإعراب: {أَفَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام توبيخي إنكاري. الفاء: حرف استئناف، أو هي عاطفة على مقدر؛ أي: أعجزوا فلم... إلخ؟. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَسِيرُوا:}

فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {فِي الْأَرْضِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية لا محلّ لها على

<<  <  ج: ص:  >  >>