من الرفق، واللين، من غير فظاظة، ولا تعنيف، وإيثار ذلك على غيره، فإنه أنفع في تسكين حنق المعاندين، وتهدئة شغبهم، وضجيجهم.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} أي: عالم. {بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ:} حاد عن الصراط المستقيم، وأعرض عن الدين القويم. {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ:} الذين هدوا إلى الصراط المستقيم. ومحصّله:
أن عليك يا محمد البلاغ، ودعوة الناس إلى دين الله وتوحيده، وأما حصول الهداية، والضلال، والمجازاة عليهما؛ فليس ذلك إليك، بل الله أعلم بالفريقين، وهو المجازي للناس أجمعين.
قال القرطبي: هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله، وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة، وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يعظ المسلمون إلى يوم القيامة، فهي محكمة في حقّ العصاة من الموحّدين، ومنسوخة بالقتال في حقّ الكافرين. انتهى.
الإعراب:{اُدْعُ:} أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الواو، والضمة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» والمفعول محذوف، التقدير: الناس... {إِلى سَبِيلِ:}
متعلقان بالفعل قبلهما، و {سَبِيلِ:} مضاف، و {رَبِّكَ:} مضاف إليه، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه... {بِالْحِكْمَةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو بمحذوف حال من فاعل {اُدْعُ} المستتر؛ أي: ملتبسا بها. {وَالْمَوْعِظَةِ:} معطوف على ما قبله. {الْحَسَنَةِ:} صفة لها، والجملة الفعلية:{اُدْعُ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَجادِلْهُمْ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {بِالَّتِي:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الاسمية:{هِيَ أَحْسَنُ} صلة الموصول، لا محل لها. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {رَبِّكَ:} اسمها، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية:{هُوَ أَعْلَمُ} في محل رفع خبر إن. {بِمَنْ:} متعلقان ب: {أَعْلَمُ،} و (من) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء، وجملة:{ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} صلة من، أو صفتها، والعائد، أو الرابط: رجوع الفاعل إليها، والجملة الاسمية:{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها، والجملة الاسمية:{إِنَّ رَبَّكَ..}. إلخ تعليل للأمر، لا محل لها.
الشرح: لقد ذكرت لك في مقدمة السورة: أن الآية وما بعدها إنما نزلت في المدينة بعد الهجرة، فقد روى الدّارقطنيّ عن ابن عباس-رضي الله عنهما-، قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد؛ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرأى منظرا ساءه، رأى حمزة-رضي الله عنه-قد شقّ بطنه، واصطلم أنفه، وجدعت أذناه، فقال: «لولا أن يحزن النساء، أو تكون سنة بعدي لتركته