قصد به وجه الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} الآية رقم [٣٩] من سورة (طه)، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا،} أي: حبّا في قلوب عباده، وثناء حسنا. فنبه الله بهذه الآية التي نحن بصدد شرحها على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل؛ إذ هي الحياة الثانية، قال أحمد شوقي رحمه الله تعالى: [الكامل]
دقّات قلب المرء قائلة له... إنّ الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها... فالذّكر للإنسان عمر ثان
هذا؛ وقد يجعل اللسان كناية عن كلمة السوء، كما في قول الشاعر: [الوافر]
لسان السّوء تهديها إلينا... وحنت وما حسبتك أن تحينا
وقد أنّثه، وأيضا قول الأعشى، وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر: [البسيط]
إنّي أتتني لسان، لا أسرّ بها... من علو لا عجب منها ولا سخر
قال الجوهري: يروى: «من علو» بضم الواو، وفتحها، وكسرها؛ أي: أتاني خبر من أعلى، والتأنيث للكلمة. وقد يجعل اللسان كناية عن الرسالة، أو عن القصيدة من الشعر، كقول الآخر: [المتقارب]
أتتني لسان بني عامر... فجلّى أحاديثها عن بصر
هذا؛ وقد أطلقه الله على القرآن بكامله مع التذكير في سورة (النحل) الآية رقم [١٠٣] حيث قال جل ذكره: {وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}. وأخيرا: فاللسان يؤنث، فيجمع على ألسن، كذراع، وأذرع ويذكّر فيجمع على ألسنة، كحمار، وأحمرة، وتصغيره على التذكير: لسين، وعلى التأنيث: لسينة.
الإعراب: {وَاجْعَلْ:} الواو: حرف عطف. (اجعل): فعل دعاء، وفاعله مستتر تقديره:
«أنت». {لِسانَ:} مفعول به، و {لِسانَ:} مضاف، و {صِدْقٍ} مضاف إليه. {فِي الْآخِرِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة {لِسانَ صِدْقٍ،} وجملة: {وَاجْعَلْ لِي..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا.
{وَاِجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥)}
الشرح: سأل إبراهيم ربه أن يجعله من أهل الجنة، ومن ورثتها، وهو يردّ قول بعضهم:
لا أسأل جنة ولا نارا. هذا؛ وقد ذكرت لك مرارا: أن معنى ميراث الجنة: أن المؤمن يرث منزل الكافر في الجنة، والكافر يرث منزل المؤمن في النار؛ لأن لكل واحد منزلا في الجنة، ومنزلا في النار، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.