للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: أمّا {الْآنَ} في هذه الآية، وأمثالها، فهي كلمة ملازمة للظرفية الزمانية غالبا، مبنية على الفتح دائما؛ لتضمنها معنى الإشارة، وألفها منقلبة عن واو، لقولهم في معناها: الأوان.

وقيل: عن ياء؛ لأنه من آن يئين: إذا قرب. وقيل: أصله أوان، قلبت الواو ألفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين. ورد بأن الواو قبل الألف لا تقلب كالجواد، والسواد. وقيل: حذفت الألف، وغيرت الواو إلى الألف، كما قالوا: راح، ورواح، استعملوه مرة على: فعل، ومرة على: فعال، كزمن، وزمان. وقال ابن هشام-رحمه الله تعالى-في كتابه شذور الذهب: والآن اسم لزمن حضر جميعه، أو بعضه: فالأول نحو قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٧١]: {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}.

والثاني: نحو قوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ} وقد تعرب كقول أبي صخر الهذلي: [الطويل]

لسلمى بذات الخال دار عرفتها... وأخرى بذات الجزع آياتها سطر

كأنّهما ملآن لم يتغيّرا... وقد مرّ للدّارين من بعدنا عصر

أصله: «كأنهما من الآن» فحذف نون (من) لالتقائها ساكنة مع لام الآن، ولم يحركها لالتقاء الساكنين، كما هو الغالب، وأعرب (الآن) فخفضه بالكسرة. انتهى. وقد اختلف في علة بنائه اختلافا كثيرا. انظر: «همع الهوامع».

{وَأَنّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠)}

الشرح: قال الجن حينما حرست السموات من استراقهم السمع، ورموا بالشهب: لا نعلم نحن معشر الجن ما الله فاعل بسكان الأرض، ولا نعلم: هل امتلاء السموات بالحرس، والشهب لعذاب يريد الله أن ينزله بأهل الأرض، أم يريد الله بهم خيرا، وفلاحا، ونجاحا، بأن يبعث فيهم رسولا مرشدا يرشدهم إلى الحق والصواب، وإلى الطريق المستقيم؟ وهذا من أدب الجن حيث نسبوا الخير إلى الله، ولم ينسبوا الشر إليه صراحة، وأين هذا من قول إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في سورة (الشعراء) رقم [٨٠]: {وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ،} ومثله قول الخضر-عليه السّلام-في سورة (الكهف) رقم [٧٩]: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها،} وقوله في سورة (الكهف) أيضا رقم [٨٢]: {فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} حيث نسب العيب لنفسه، وبلوغ الأشد إلى الله تعالى؛ لأنه خير لهما، ورحمة من الله.

هذا؛ وخذ قوله تعالى في سورة (سبأ) رقم [٥٠]: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي}.

قال ابن زيد: قال إبليس: لا ندري هل أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا، أو يرسل رسولا إليهم؟ والمعتمد: أنه من قول الجن كما قدمته. قال ابن كثير: وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>