بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {رَشَداً:} مفعول به. وجملة:
{أَرادَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، وهذا هو الذي رجح اعتبار (شر) نائب فاعل بفعل محذوف لتتعادل الجملتان، وتكون {أَمْ} متصلة. هذا؛ والكلام:{أَشَرٌّ..}. إلخ في محل نصب سد مسد مفعولي الفعل:{نَدْرِي،} والجملة الفعلية هذه في محل رفع خبر (أن)، و (أن) واسمها، وخبرها معطوف على ما قبله من كلام على الوجهين المعتبرين فيه.
الشرح:{وَأَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ:} الكاملون في الصلاح، العاملون بما يرضي الله. {وَمِنّا دُونَ ذلِكَ} أي: الذين ليس صلاحهم كاملا، أو الذين ليس لهم صلاح، وهم الكفار. {كُنّا طَرائِقَ قِدَداً} أي: فرقا شتى، وأديانا مختلفة، وأهواء متباينة، ومنه قول الشاعر:[البسيط]
القابض الباسط الهادي بطاعته... في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد
والمعنى: لم يكن جميع الجن كفارا، بل كانوا مختلفين، منهم كفار، ومنهم مؤمنون صالحاء، ومنهم مؤمنون غير صالحاء على حد قوله تعالى في سورة (فاطر) رقم [٣٢]: {فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ}. وقال المسيب: كنا مسلمين، ويهود، ونصارى، ومجوس. وقال السدي: في الجن مثلكم قدرية ومرجئة، وخوارج، ورافضة، وشيعة، وسنية، أقول: وهذا يحتمل أن يكون بعد الرسالة المحمدية، وأما قبل الرسالة فهم كما قال المسيب؛ لأنه كان في الجن من آمن بموسى، وعيسى-على نبينا، وعليهما، وعلى جميع الأنبياء، والمرسلين ألف صلاة، وألف سلام-بدليل ما حكى الله من قولهم في سورة (الأحقاف) رقم [٣٠]: {مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ}.
و (الطرائق): جمع: الطريقة، وهي مذهب الرجل، أي: كنّا فرقا مختلفة. وخذ قوله تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [١٧]: {وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ} و (القدد): نحو من الطرائق، وهو توكيد لها، واحدها: قدّة، يقال: لكل طريق قدّة، وأصلها من: قد السيور، وهو قطعها. قال لبيد-رضي الله عنه-يرثي أخاه أربد:[المنسرح]
لم تبلغ العين كلّ نهمتها... ليلة تمسي الجياد كالقدد
وقال آخر:[الرمل]
ولقد قلت وزيد حاسر... يوم ولّت خيل عمرو قددا
والقدّ بالكسر: سير يقدّ من جلد مدبوغ، ويقال: ماله قدّ، ولا قحف، فالقدّ: إناء من جلد، والقحف: من خشب، وانظر ما ذكرته بشأن {الصّالِحِينَ} في سورة (المنافقون) رقم [١٠]. هذا؛