وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن؛ وأنا في منزل لي بالليل ينشد:[الطويل]
قلوب براها الحبّ حتى تعلّقت... مذاهبها في كلّ غرب وشارق
تهيم بحبّ الله والله ربّها... معلّقة بالله دون الخلائق
الإعراب:{وَأَنّا:} الواو: حرف عطف. (أنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا) اسمها. {مِنَّا:}
جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الصّالِحُونَ:} مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها وخبرها معطوف على ما قبله على الوجهين المعتبرين فيه. (منّا): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم أيضا. {دُونَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، التقدير: ومنا فريق كائن دون ذلك، أو ومنا ناس دون ذلك، على حد قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٦٨]: {مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ}. هذا؛ وقال ابن هشام-رحمه الله تعالى-في كتابه الشذور:«دون» اسم مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر، وبني على الفتح لإبهامه، وإضافته إلى مبني، وهو اسم الإشارة. ولو جاءت القراءة برفع {دُونَ} لكان ذلك جائزا، كما قال الشاعر:[الطويل]
ألم تريا أنّي حميت حقيقتي... وباشرت حدّ الموت والموت دونها
الرواية (دونها) بالرفع. انتهى. وقال الجمل نقلا عن السمين: فيه وجهان: أحدهما: أن {دُونَ} بمعنى: «غير» أي: ومنا غير الصالحين، وهو مبتدأ، وإنما فتح لإضافته إلى غير متمكن، كقوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٩٤]: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} فيمن نصب على أحد الأقوال، وإلى هذا نحا الأخفش، الثاني: أن {دُونَ} على بابها من الظرفية، وأنها صفة لموصوف محذوف، تقديره: ومنا فريق، أو فوج دون ذلك، وحذف الموصوف مع «من» التبعيضية كثير، كقولهم: منا ظعن، ومنا أقام، أي: منا فريق. انتهى. و {دُونَ} مضاف، و {ذلِكَ} اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية:{مِنَّا الصّالِحُونَ} وما عطف عليها في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها معطوف على ما قبله. {كُنّا:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، و (نا): اسمها. {طَرائِقَ:} خبرها، وهو على تأويل: ذوي طرائق، أو في طرائق. {قِدَداً:} صفة لها، والجملة الفعلية في محل نصب حال من (نا)، والرابط: الضمير فقط، وهي على تقدير «قد» قبلها لتقربها من الحال، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.
تنبيه: ما تقدم هو الإعراب الظاهر، والأصح: أن مضمون الجار والمجرور {مِنَّا} مبتدأ، و {الصّالِحُونَ} هو الخبر؛ لأن (من) الجارة دالة على التبعيض، أي: بعضهم الصالحون، وجمع