للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)}

الشرح: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} أي: يخلقهم ابتداء بعلوق كل واحد في الرحم قبل ولادته. {ثُمَّ يُعِيدُهُ:} يحييه بعد الموت بالنفخة الثانية للبعث، فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلا على ما يخفى من إعادته.

{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي: والإعادة بعد الموت أسهل على الله تعالى من بدء الخلق، وإنشائه، وهذا بالنظر إلى ما عند المخاطبين من أن إعادة الشيء أسهل من ابتدائه، وإلا فهما عند الله تعالى سواء في السهولة. وهذا جواب لسؤال قد يرد، وهو أنه كيف قال تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} والأفعال كلها بالنسبة إلى قدرته تعالى متساوية في السهولة؟! وإيضاحه: أن الأمر مبني على ما ينقاس على أصولكم، ويقتضيه معقولكم من أن الإعادة للشيء أهون من ابتدائه؛ لأن من أعاد منكم صنعة شيء، كانت أسهل عليه، وأهون من إنشائها، فالإعادة محكوم عليها بزيادة السهولة. هذا وذكر الضمير في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} مع أنه عائد على الإعادة باعتبار كونها ردا، وإرجاعا، أو مراعاة للخبر، وهو {أَهْوَنُ} قال الجمل: وذكّر الضمير فيه مع أنه راجع إلى الإعادة المأخوذة من لفظ: {يُعِيدُهُ} نظرا إلى المعنى دون اللفظ، وهو رجعه، أو رده كما نظر إليه في قوله: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} أي: مكانا ميتا، أو تذكيره باعتبار الخبر. انتهى. نقلا عن كرخي.

وقيل: الضمير المجرور ب‍: (على) يعود إلى الخلق، فتكون الإعادة أهون على الخلق، وذلك؛ لأنهم يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفا، ثم علقا، ثم مضغا، إلى أن يصيروا رجالا، ونساء. وقيل: إن أهون بمعنى: هين وليس على بابه من التفضيل؛ لأنه ليس شيء أهون على الله من شيء. قال أبو عبيدة: ومن جعل أهون يعبر عن تفضيل شيء على شيء، فقوله مردود بقوله تعالى: {وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً،} وبقوله: {وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما} والعرب تحمل «أفعل» على فاعل، ومنه قول الفرزدق: [الكامل] إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا... بيتا دعائمه أعزّ وأطول

أي: دعائمه عزيزة طويلة. وقال معن بن أوس: [الطويل] لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل... على أيّنا تعدو المنيّة أوّل

أراد: إني لوجل. ومن ذلك قول الشافعي رضي الله عنه: [الطويل] تمنّى رجال أن أموت، وإن أمت... فتلك سبيل لست فيها بأوحد

<<  <  ج: ص:  >  >>