للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَيُّهَا النّاسُ اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ (٣)}

الشرح: {يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ:} قال النسفي: وهي التي تقدمت: من بسط الأرض كالمهاد، ورفع السماء بلا عماد، وإرسال الرسل لبيان السبيل، دعوة إليه، وزلفة لديه، والزيادة في الخلق، وفتح أبواب الرزق. والمراد من هذا التذكير: طلب الشكر؛ أي: اشكروا ربكم على نعمه؛ التي أنعم بها عليكم، وهي لا تعد، ولا تحصى. قال الزمخشري: ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط، ولكن به، وبالقلب، وحفظها من الكفران، والغمط، وشكرها بمعرفة حقها، والاعتراف بها، وطاعة موليها، ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه: اذكر أياديّ عندك! يريد: حفظها، وشكرها، والعمل على موجبها. والخطاب عام للجميع؛ لأن جميعهم مغمورون في نعمة الله. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد أهل مكة: {اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} حيث أسكنكم حرمه، ومنعكم من جميع العالم؛ والناس يتخطفون من حولكم. وعنه أيضا نعمة الله: العافية.

{هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ:} استفهام بمعنى النفي؛ أي: لا خالق غير الله سبحانه وتعالى! لا ما تعبدون من الحجارة، والأوثان. قال حميد الطويل: قلت للحسن: من خلق الشر؟ فقال:

سبحان الله، هل من خالق غير الله عز وجل؟ خلق الخير والشر. {يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ:}

يرزقكم مما ينبت من الأرض بسبب ما ينزل من السماء من ماء. {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} أي: لا رب ولا معبود إلا الله الواحد الأحد. {فَأَنّى تُؤْفَكُونَ} أي: فكيف تصرفون بعد هذا البيان، ووضوح البرهان إلى عبادة الحجارة، والأوثان؟ والغرض من ذلك: تذكير الناس بنعم الله تعالى، وإقامة الحجة على المشركين. قال ابن كثير، وغيره: نبه الله تعالى عباده، وأرشدهم إلى الاستدلال على توحيده بوجوب إفراد العبادة له، فكما أنه مستقل بالخلق، والرزق، فكذلك يجب أن يفرد بالعبادة، ولا يشرك به غيره من الأصنام، والأوثان. انتهى. هذا؛ وانظر شرح {يُؤْفَكُونَ} في الآية رقم [٦١] من سورة (العنكبوت).

الإعراب: {يا أَيُّهَا النّاسُ:} انظر إعراب مثلها في الآية رقم [١] من سورة (الأحزاب).

{اُذْكُرُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {نِعْمَتَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {نِعْمَتَ اللهِ،} أو بمحذوف حال منه، والجملة الندائية، والفعلية كلتاهما ابتدائيتان، لا محل لهما. {هَلْ:} حرف استفهام إنكاري توبيخي. {مِنْ:} حرف جر صلة. {خالِقٍ:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وفي الخبر قولان:

أحدهما: هو جملة {يَرْزُقُكُمْ..}. إلخ، والثاني: أنه محذوف، تقديره: لكم، ونحوه. {غَيْرُ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>