وهي مدنية، قال ابن الجوزي: إلا آيتين في آخرها {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ..}. إلخ فإنها نزلت بمكة، وهي آخر سور القرآن الكريم نزولا، وهي: مائة وتسع وعشرون آية، وأربعة آلاف، وثمان وسبعون كلمة، وعشرة آلاف وأربعمائة، وثمان وثمانون حرفا، ولهذه السورة أسماء عشرة: سورة (التوبة) وسورة براءة، وهذان الاسمان مشهوران والمقشقشة قاله ابن عمر، سميت بذلك؛ لأنها تقشقش من النفاق، أي: تبرئ منه، والمبعثرة؛ لأنها تبعثر عن أخبار المنافقين، وتبحث عنها وتثيرها، والفاضحة، قاله ابن عباس؛ لأنها فضحت المنافقين، وسورة العذاب، قاله حذيفة رضي الله عنه، والمخزية؛ لأن فيها خزي المنافقين، والمدمدمة سميت بذلك؛ لأن فيها هلاك المنافقين، والمشردة، سميت بذلك؛ لأنها شردت جموع المنافقين، وفرقتهم، والمثيرة، سميت بذلك؛ لأنها أثارت مخازي المنافقين، وكشفت أحوالهم، وهتكت أستارهم. انتهى خازن. وزيد المنكلة، والمنقرة، والحافرة، والبحوث، وغير ذلك.
عن سعيد بن جبير رضي الله عنه، قال: قلت لابن عباس-رضي الله عنهما-: سورة (التوبة) قال: بل هي الفاضحة، ما زالت تقول، ومنهم، ومنهم... حتى ظنوا أن لا يبقى أحد إلا ذكر فيها، قال: قلت: سورة (الأنفال)، قال: نزلت في بدر، قال: قلت: سورة (الحشر)، قال: بل سورة بني النضير. أخرجاه في الصحيحين. انتهى. خازن.
تنبيه: لقد اختلف بسبب ترك التسمية في أول هذه السورة الكريمة، وها أنا ذا أنقل لك ما كتبه الخازن في هذا الصدد: فعن محمد بن الحنفية-رضي الله عنهما-قال: قلت لأبي، يعني علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لم لم تكتبوا في براءة {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟} قال:
يا بني إن براءة نزلت بالسيف، وإن {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} أمان، وسئل سفيان بن عيينة عن هذا، فقال: لأن التسمية رحمة، والرحمة أمان، وهذه السورة نزلت في المنافقين، وقال المبرد: لم تفتح هذه السورة الشريفة ب {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؛} لأن التسمية افتتاح للخير، وأول هذه السورة وعيد، ونقض عهود، فلذلك لم تفتح بالتسمية.
وسئل أبي بن كعب-رضي الله عنه-عن هذا، فقال: إنها نزلت في آخر القرآن، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر في كل سورة بكتابة {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ،} ولم يأمر في براءة بذلك، فضمت إلى الأنفال لشبهها بها، وقيل: إن الصحابة اختلفوا في أن سورة (الأنفال)،