سورة (القارعة)، وهي مكية باتفاق، وهي إحدى عشرة آية، وست وثلاثون كلمة، ومئة واثنان وخمسون حرفا. ومناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر وقت بعثرة القبور؛ أتبعه بأهوال يوم القيامة، وبيان وقتها. وقال الرازي-رحمه الله تعالى-: لما ختم السورة المتقدمة بقوله: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} فكأنه قيل: وما ذلك اليوم؟ فقيل: هو القارعة. انتهى. جمل.
الشرح:{الْقارِعَةُ:} أصل القرع: الصوت الشديد، ومنه: قوارع الدهر؛ أي: شدائده، والقرع أيضا: الضرب بشدة، ومنه: المقرعة. واتفقوا على أن القارعة اسم من أسماء القيامة، مثل: الحاقة، والطامة، والصاخة، سميت بذلك؛ لأنها تقرع القلوب بالفزع، والشدائد، وسبب ذلك: أن القارعة هي الصيحة التي يموت منها الخلائق سوى إسرافيل، ثم يميته، ثم يحييه، فينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس من قبورهم للحساب، والجزاء، وأهل اللغة يقولون: تقول العرب: قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة: إذا وقع بهم أمر فظيع. قال ابن أحمر:[الوافر]
وقارعة من الأيّام لولا... سبيلهم لزاحت عنك حينا
وقال تعالى في سورة (الرعد) رقم [٣١]: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ}.
{مَا الْقارِعَةُ} أي: أي شيء هي القارعة، فهو تهويل، وتعظيم. والمعنى: أنها فاقت القوارع في الهول، والشدة. {وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ:} زيادة في تعظيم القيامة، وتفخيم شأنها. معناه: لا علم لك بكنهها؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها فهم أحد، وكيفما أمرها، فهي أعظم من ذلك، انظر سورة (الحاقة) وسورة (القدر).
هذا؛ وإنما سميت القيامة: القارعة؛ لشدة هولها على النفوس؛ لأنها لا تفزع القلوب فحسب، بل تؤثر في الأجرام العظيمة، فتؤثر في السموات بالانشقاق، وفي الأرض بالزلزلة، وفي الجبال بالدك والنسف، وفي الكواكب بالانتثار، وفي الشمس، والقمر بالتكوير، والانكدار؛ إلى غير ما هنالك مما ذكرته فيما سبق، وفي بقية السورة بيان شيء من ذلك الهول المفزع.