للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الجمل: في محل نصب حال من فاعل (يحلفون) وهذا هفوة منه؛ لأن المضارع المثبت لا تقع جملته حالا إلا بتقدير مبتدأ قبلها. قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز] وذات بدء بمضارع ثبت... حوت ضميرا، ومن الواو خلت

وذات واو بعدها انو مبتدا... له المضارع اجعلنّ مسندا

{أَلا:} حرف تنبيه، واستفتاح يسترعي انتباه المخاطب لما يأتي بعده من كلام. {أَنَّهُمْ:}

حرف مشبه بالفعل. {يَبْعَثُهُمُ:} ضمير فصل لا محل له، أو هو توكيد لاسم (إنّ) على المحل.

{الْكاذِبُونَ:} خبر (إنّ). هذا؛ وإن اعتبرت الضمير مبتدأ، و {الْكاذِبُونَ} خبره، فالجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ) والجملة الاسمية: {أَلا إِنَّهُمْ..}. إلخ ابتدائية، لا محل لها من الإعراب.

{اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)}

الشرح: {اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ} أي: استولى على قلوبهم الشيطان، وغلب عليهم، وتملك نفوسهم؛ حتى أنساهم أن يذكروا ربهم، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذّئب من الغنم القاصية». أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي عن أبي الدرداء-رضي الله عنه-. ولا ريب: أن المراد بإقامة الصلاة: الصلاة في الجماعة.

قال شاه الكرماني: علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من الماكل، والملابس، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله، ونعمائه، والقيام بشكرها. ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب، والغيبة، والبهتان. ويشغل لبه عن التفكر، والمراقبة بتدبير الدنيا، وجمعها.

هذا؛ و {اِسْتَحْوَذَ} من حذت الإبل، وحزتها: إذا استوليت عليها. الأول بالذال، والثاني بالزاي، وكون استحوذ من الثاني من حيث الاشتقاق الأكبر. قال القاضي البيضاوي: وهو مما جاء على الأصل، يعني على خلاف القياس، فإن القياس: استحاذ بقلب الواو ألفا، كاستعان، واستعاذ، واستقام، ولكن استحوذ هاهنا أجود؛ لأن الفعل في هذا المعنى لا يستعمل إلا بزيادة. انتهى. نسفي. هذا؛ ومما جاء على الأصل مثل استحوذ: استصوب، واستنوق، مع العلم: أن هذا الفعل لم يذكر في غير هذه السورة، وذكر بلفظ المضارع في سورة (النساء) رقم [١٤١] فقط. هذا؛ والنسيان: مصدر: نسيت الشيء، أنساه، وهو مشترك بين معنيين:

أحدهما: ترك الشيء عن ذهول، وغفلة، والثاني: عن تعمد، وقصد.

<<  <  ج: ص:  >  >>