للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاخرة ينفعهم، وينجيهم من عذابها، كما نفعهم في الدنيا بدفع القتل عنهم، وذلك؛ لأن تمكن النفاق في قلوبهم، بحيث يخيل إليهم في الاخرة أن الأيمان الكاذبة تروّج الكذب على الله كما تروّجه على المؤمنين في الدنيا. قال أبو حيان-رحمه الله تعالى-: والعجب منهم كيف يعتقدون: أن كفرهم يخفى على علام الغيوب، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم، ونفاقهم، والمقصود: أنهم تعودوا الكذب حتى كان على ألسنتهم في الاخرة، كما كان في الدنيا. {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ} أي: البالغون الغاية في الكذب؛ حيث يكذبون يوم القيامة بين يدي عالم الغيب، والشهادة.

أقول: ولا يستغرب من المنافقين الكذب في الدنيا وفي الاخرة؛ لأنهم مطبوعون عليه، وهو وصف لازم لهم. فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». رواه البخاري، ومسلم، وزاد مسلم في رواية له: «وإن صلّى، وصام، وزعم: أنه مسلم». وبين الله عز وجل أن افتراء الكذب ديدن الذين لا يؤمنون بآيات الله. قال تعالى في سورة (النحل) رقم [١٠٥]: {إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ} انظر شرح هذه الاية هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وانظر سورة (المنافقون) رقم [١].

الإعراب: {يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب‍: {مُهِينٌ،} أو ب‍: {عَذابٌ،} أو بالاستقرار الواقع خبرا، وهو قوله: (لهم) وعلى هذه الأوجه فالاية بينهما كلها معترضة، أو هو متعلق بمحذوف، تقديره: اذكر، وهو أقوى هنا. {يَبْعَثُهُمُ اللهُ:} مضارع، ومفعوله، وفاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {جَمِيعاً:} حال من الضمير المنصوب، فهي حال مؤكدة.

{فَيَحْلِفُونَ:} (الفاء): حرف عطف، وجملة: (يحلفون له) معطوفة على ما قبلها فهي في محل جر مثلها. {كَما:} (الكاف): حرف تشبيه وجر. (ما): مصدرية. {فَيَحْلِفُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و (ما) والفعل: (يحلفون) في تأويل مصدر في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما قبله، التقدير: يحلفون له حلفا كائنا مثل حلفهم لكم، وهذا ليس مذهب سيبويه، وإنما مذهبه في مثل ذلك أن يكون منصوبا على الحال من المصدر المضمر المفهوم من الفعل المتقدم. وإنما أحوج سيبويه إلى هذا؛ لأن حذف الموصوف، وإقامة الصفة مقامه، لا يجوز إلا في مواضع محصورة، وليس هذا منها. {وَيَحْسَبُونَ:} الواو: حرف عطف. (يحسبون): فعل مضارع... إلخ. والواو فاعله. {أَنَّهُمْ:} حرف مشبه الفعل، والهاء اسمها. {عَلى شَيْءٍ:} متعلقان بمحذوف خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي (يحسبون) وجملة (يحسبون...) إلخ معطوفة على ما قبلها. هذا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>