للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آباؤنا؛ حيث منعنا حق الفقراء والمساكين في ثمار هذه الجنة، وزروعها. وقيل: معناه: طغينا في نعم الله تعالى، فلم نشكرها؛ حيث لم نصنع فيها ما كان يصنعه آباؤنا من قبلنا؛ حتى أصابنا ما أصابنا. فقد استعظموا جرمهم ورجعوا إلى أنفسهم بالندامة، والملامة.

الإعراب: {قالُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. (يا): أداة نداء، والمنادى محذوف، كأنهم قالوا لبعضهم: يا هؤلاء ويلا لنا! فلما أضاف؛ حذف اللام الثانية، وعليه ف‍: (ويلا) مصدر مفعول مطلق فعله محذوف، و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وهذا قاله الجلال، وأيده سليمان الجمل، وقول لمكي. وأجيز اعتبار (ويلنا): منادى، فيكون المعنى قالوا: تعال يا ويل هذا زمانك، وإبانك! وقال الكوفيون: إن (وي) كلمة برأسها، و (لنا) جار ومجرور متعلقان به. ولا معنى لهذا إلا بتأويل بعيد، وهو أن يكون التقدير: يا عجب لنا. لأن (وي) تفسر بمعنى: أعجب منا. انتهى. جمل، وعليه: يكونون قد نادوا العجب، وهو كلام لا معنى له. {إِنّا كُنّا طاغِينَ:} مثل إعراب: {إِنّا كُنّا ظالِمِينَ} في الآية [٢٩] بلا فارق، والكلام في محل نصب مقول القول.

{عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢)}

الشرح: {عَسى رَبُّنا:} هذا رجوع منهم إلى الرجاء، والطمع في فضل الله، وكرمه، وجوده، روي: أنهم أبدلوا خيرا منها. وقال القرطبي: تعاقدوا، وقالوا: إن أبدلنا الله خيرا منها؛ لنصنعن كما صنعت آباؤنا، فدعوا الله، وتضرعوا، فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها.

وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: إن القوم أخلصوا، وعرف الله منهم صدقهم، فأبدلهم جنة، يقال لها: الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا واحدا. وقال أبو خالد اليماني: دخلت تلك الجنة، فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم. وقال الحسن: قول أهل الجنة: {إِنّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ} لا أدري إيمانا كان ذلك منهم، أو على حد ما يكون من المشركين؛ إذا أصابتهم الشدة، فيوقف في كونهم مؤمنين. وسئل قتادة عن أصحاب أهل الجنة، أهم من أهل الجنة، أم من أهل النار؟ فقال: لقد كلفتني تعبا، والكثير يقولون: إنهم تابوا، وأخلصوا.

أقول: والمعتمد: أنهم كانوا من أهل الإيمان، وما قول ابن مسعود-رضي الله عنه-عنك ببعيد، وذكر بعض السلف: أن هؤلاء كانوا من أهل اليمن. وقيل: كانوا من أهل الجنة.

تنبيه: معنى {راغِبُونَ} راجعون، وعدّي ب‍: {إِلى} وهو إنما يتعدى ب‍: «عن» أو ب‍: «في» لتضمينه معنى الرجوع. وينبغي أن تعلم: أن «رغب» وما يتصرف منه يتغير معناه بتغير الجار الذي يتعلق به، قال تعالى في سورة (النساء) رقم [١٢٧]: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} فإن التقدير: في أن، أو عن أن تنكحوهن، والأول يدل على الرغبة فيهن، والثاني يدل على عدم الرغبة فيهن، ولذا كان قول القائل وهو الشاهد رقم [٩٢٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -محتملا للمدح والذم: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>