ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه... ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما
{يُؤْتِكُمْ:} مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل يعود إلى الله، والكاف مفعول به أول. {أُجُورَكُمْ:}
مفعول به ثان، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب: «إذا» الفجائية. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): نافية.
{يَسْئَلْكُمْ:} مضارع معطوف على جواب الشرط مجزوم مثله، والكاف مفعول به أول، والفاعل يعود إلى الله، أو إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم. {أَمْوالَكُمْ:} مفعول به ثان، والكاف في محل جر بالإضافة.
هذا؛ ويجوز في العربية نصب الفعل: {يَسْئَلْكُمْ} ورفعه، ولكن لم أجد من قرأ هنا بهما وقد قرئ بالأوجه الثلاثة: {فَيَغْفِرُ} في الاية رقم [٢٨٤] من سورة (البقرة) وهي قوله تعالى: {لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وما ذكرته في الاية الكريمة من وجوه الإعراب مقرر في القواعد النحوية، كما يلي: إذا عطف مضارع بالواو، أو بالفاء على فعل الشرط يجوز جزمه ونصبه، وإذا عطف على الجواب مضارع بالواو، أو بالفاء، يجوز جزمه ونصبه ورفعه، قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز] والفعل من بعد الجزا إن يقترن... بالفا أو الواو بتثليث قمن
وجزم أو نصب لفعل إثر فا... أو واو إن بالجملتين اكتنفا
ومن شواهد المسألة الأولى في قول ابن مالك قول الشاعر: [الوافر] فإن يهلك أبو قابوس يهلك... ربيع الناس والشّهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش... أجبّ الظّهر ليس له سنام
حيث روي «نأخذ» بالأوجه الثلاثة؛ أي: الرفع، والنصب، والجزم.
{إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)}
الشرح: {إِنْ يَسْئَلْكُمُوها} أي: يسألكم الأموال كلها، ويدعوكم إلى إنفاقها كلها.
{فَيُحْفِكُمْ} أي: يجهدكم، ويشق عليكم، ويطلبها كلها، والإحفاء: المبالغة، وبلوغ الغاية في كل شيء، يقال: أحفاه في المسألة: إذا لم يترك شيئا من الإلحاح، وأحفى شاربه: استأصله.
هذا؛ وأحفى بالمسألة، وألحف، وألحّ بمعنى واحد. قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٨٧]: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها} وفي سورة (مريم) رقم [٤٧]: قوله تعالى حكاية من قول إبراهيم لأبيه: {قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا}. {تَبْخَلُوا:} يعني: