فسمى ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة. انتهى. كشاف. هذا؛ وأجيز اعتبارها حالا مقارنة، إن كان المعنى: نبتليه بتصريفه في بطن أمه، نطفة، ثم علقة، كما قال ابن عباس-رضي الله عنهما-، انظر أنواع الحال في الآية رقم [١٩] من سورة (المعارج) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {فَجَعَلْناهُ:} الفاء: حرف عطف. (جعلناه): فعل، وفاعل، ومفعول به أول.
{سَمِيعاً:} مفعول به ثان؛ لأن (جعل) من أفعال التحويل. {بَصِيراً:} من تعدد المفعول الثاني، أو هو من تعدد الحال، إن اقتصر الفعل على مفعول واحد، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:
{خَلَقْنَا..}. إلخ فهي في محل رفع مثلها، وأفاد كلام الجلال، والجمل: أنها معطوفة عليه إرادة الابتلاء، لا الابتلاء، وهذا منه لتوجيه العطف المذكور.
الشرح:{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ} أي: بيّنا له، وعرّفناه طريق الهدى، والضلال، والخير، والشر ببعثة الرسل، فآمن، أو كفر، كقوله تعالى في سورة (البلد): {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} والمراد من هداية السبيل: نصب الدلائل، وإنزال الكتب على الرسل مع تهيئة العقل، والسمع، والبصر للنظر والتفكير في ذلك. قال مكي: و (إمّا) هنا للتخيير على بابها، ومعنى التخيير: أن الله تعالى يخبرنا: أنه اختار قوما للسعادة، وقوما للشقاء، فالمعنى: إما أن يخلقه شقيا، وهذا من أبين ما يدل على أن الله تعالى قدر الأشياء كلها. وخلق قوما للسعادة، وبعملها يعملون، وقوما للشقاوة، وبعملها يعملون، فالتخيير هو إعلام من الله تعالى لنا: أنه يختار ما يشاء، وليس التخيير للإنسان. انتهى مكي. وهذا لا يجعل للعبد اختيارا، والمعتمد: أن له اختيارا، كما تقدم، وقال تعالى في سورة (فصلت) رقم [١٧]: {وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}.
تنبيه: لما كان الشكر قل من يتصف به. قال {شاكِراً} من غير مبالغة، ولما كان الكفر كثيرا من يتصف به، ويكثر وقوعه من الإنسان بخلاف الشكر. قال:{كَفُوراً} بصيغة المبالغة.
هذا؛ ول:«إمّا» خمسة معان: أحدها: الشك، نحو: جاء إما زيد، وإما عمرو، إذا لم تعلم الجائي منهما.
الثاني: الإبهام، كما في قوله تعالى:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} الآية رقم [١٠٦] من سورة (التوبة).
الثالث: التخيير، وهو ما في الآية التي نحن بصدد شرحها، وقوله تعالى في سورة (طه) رقم [٦٥]: {قالُوا يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى} ومثلها الآية من سورة (الأعراف) رقم [١١٤]، وأيضا الآية رقم [٨٦] من سورة (الكهف).