للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)}

الشرح: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً} أي: دلالة ملجئة إلى الإيمان، أو بلية قاسرة عليه. {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} أي: منقادين ذليلين، وأصل الكلام: فظلوا لها خاضعين، فاقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع، وترك الخبر على أصله. وقيل: لما وصفت الأعناق بصفات العقلاء، أجريت مجراهم، وقيل: المراد ب‍: (الأعناق) الرؤساء، أو الجماعات، من قولهم: جاءنا عنق من الناس لفوج منهم، وقيل: إنما أراد أصحاب الأعناق، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وقيل: إن المعنى: إن ذلت رقابهم ذلوا، فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها، ويسوغ في كلام العرب أن تترك الخبر عن الأول وتخبر عن الثاني، قال الأغلب العجلي: [الرجز]

طول اللّيالي أسرعت في نقضي... نقضن كلّي، ونقضن بعضي

فأخبر عن الليالي، وترك الطول، وقال جرير: [الوافر]

أرى مرّ السّنين أخذن منّي... كما أخذ السّرار من الهلال

وإنما جاز ذلك؛ لأنه لو أسقط مرّ وطول من الكلام لم يفسد معناه انتهى. قرطبي، وما في البيتين يعبر عنهما بتعبير آخر، وهو: أن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه. انظر الشاهد رقم [٩٠٢] وما بعده في كتابنا فتح القريب المجيب، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

تنبيه: ذكر الزمخشري، والقرطبي: أن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية قال: ستكون لنا عليهم الدولة، فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة، ويلحقهم هوان بعد عزة. انتهى. وأعتقد أن هذه المقالة مكذوبة على ابن عباس-رضي الله عنهما-. هذا؛ ويقرأ الفعلان {نَشَأْ نُنَزِّلْ} بالنون والياء.

الإعراب: {إِنْ:} حرف شرط جازم. {نَشَأْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا، تقديره: «نحن»، أو تقديره: «هو»، والمفعول محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {نُنَزِّلْ:} فعل مضارع جواب الشرط، والفاعل تقديره: «نحن»، أو «هو». {عَلَيْهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنَ السَّماءِ:}

متعلقان بمحذوف حال من {آيَةً،} كان نعتا له، فلما قدم عليه صار حالا، على القاعدة: «نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا». {آيَةً:} مفعول به، وجملة: {نُنَزِّلْ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب‍: «إذا» الفجائية، و {إِنْ} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {فَظَلَّتْ:} الفاء: حرف عطف. (ظلت): فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث

<<  <  ج: ص:  >  >>