بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وقال في سورة (الأنبياء) رقم [٣٥]: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ}. والصحة، والعافية، والمال، والولد، والجوارح كلها نعم، فهي ابتلاء، واختبار، وامتحان، والأمراض، والآفات، والمصائب، والمتاعب في الدنيا كلها ابتلاء، واختبار، وامتحان، وخذ ما يلي:
فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ قال:
«يا عيسى إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبّون؛ حمدوا الله، وإن أصابهم ما يكرهون؛ احتسبوا، وصبروا، ولا حلم، ولا علم فقال: يا ربّ كيف يكون هذا؟! قال: أعطيهم من حلمي وعلمي». رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري. هذا؛ ولا أرى حاجة إلى إعراب الآية، فإن إعرابها مثل سابقتها بلا فارق مع ملاحظة أن المبتدأ محذوف، وجملة: {فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ} في محل رفع خبره، التقدير: وأما هو؛ أي: الإنسان... إلخ. هذا؛ والمقابلة واضحة بين الآيتين الكريمتين. هذا؛ وقال ابن كيسان: ويقال: أبلاه، وبلاه في الخير، والشر، وأنشد قول زهير في ممدوحيه: هرم بن سنان، والحارث بن عوف المرّيّين: [الطويل]
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فجمع بين اللغتين. وقيل: الأكثر في الخير: أبليته، وفي الشر: بلوته، وفي الاختبار:
ابتليته، وبلوته. قاله النحاس.
{كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)}
الشرح: {كَلاّ:} ردع، وزجر، وردّ لما يظنه الكافر، والفاجر، فليس الغنى لفضله، ولا الفقر لهوانه، وإنما الفقر، والغنى، والعز، والذلة من تقدير العزيز العليم، وقضائه، وحكمه، وحكمته. وفي الحديث القدسي يقول الله عزّ وجلّ: «كلاّ إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنت بقلّتها، إنّما أكرم من أكرمت بطاعتي، وأهين من أهنت بمعصيتي».
{بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ:} لا تحسنون إليه، ولا تعطونه حقّه من الميراث، فهو إخبار عن ما كانوا يصنعونه. فهو إضراب من قبيح إلى أقبح للترقي في ذمهم. قال مقاتل-رحمه الله تعالى-:
نزلت في قدامة بن مظعون: كان يتيما في حجر أمية بن خلف، وكان يدفعه عن حقّه، ولا يعطيه ماله، وكانوا في الجاهلية لا يورثون أنثى، ولا صغيرا، بل ينفرد بالميراث الرجال المقاتلون، وكانوا يقولون: كيف نعطي أموالنا لمن لا يذود عنا، ولا يحمي حمانا؟!.
{وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ:} ولا تحثون أنفسكم، وأهليكم، ومن يتصل بكم من أقاربكم، وأصدقائكم على إطعام الفقراء، والمساكين مما يفضل عنكم من أموالكم. هذا؛