للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)}

الشرح: {قُلْ} أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين. {أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ} أي:

عرفوني، واشرحوا لي هذه الأصنام، والأوثان؛ التي جعلتموها آلهة مع الله: هل شاركت في خلق شيء في هذا الكون، فبينوا ما هو؟ وبأي سبب ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة؟ وهو استفسار عن شبههم بعد إلزام الحجة عليهم، زيادة في تبكيتهم. {كَلاّ:} ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة. والمعنى: ليس له نظير، ولا شريك، ولا نديد، فارتدعوا عن ما تدعون، وارجعوا عن غيكم، وضلالكم. {بَلْ هُوَ اللهُ} أي: المنفرد بالإيجاد، والإعدام، والإحياء، والإماتة... إلخ.

{الْعَزِيزُ:} القوي، القادر، القاهر، الغالب على أمره. {الْحَكِيمُ:} في صنعه، وتدبير شئون خلقه، فلا شريك له في خلقه، تبارك، وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. هذا؛ ومعنى قوله:

{أَرُونِيَ} وكان يراهم، أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله، وأن يطلعهم على حالة الإشراك به. هذا؛ وأطلق على الأصنام اسم الشركاء لأحد أمرين: أحدهما: أن المشركين يشركونها مع الله في العبادة، والتعظيم، والتقديس. وثانيهما: أنهم كانوا يشركونها في الأموال، والأنعام، والزروع. انظر الآية رقم [١٣٨] من سورة (الأنعام) وما بعدها.

أما القول في {كَلاّ،} فإني أنقله لك بحروفه من مغني اللبيب لابن هشام، طيب الله ثراه؛ لتكون على بصيرة من أمرك. قال-رحمه الله تعالى-: وهي عند سيبويه، والخليل، والزجاج، وأكثر البصريين حرف معناه الردع والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك، حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها، والابتداء بما بعدها، وحتى قال جماعة منهم: متى سمعت: {كَلاّ} في سورة؛ فاحكم بأنها مكية؛ لأن فيها معنى التهديد، والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة؛ لأن أكثر العتو كان بها. وفيه نظر؛ لأن لزوم المكية إنما يكون عن اختصاص العتوّ بها، لا عن غلبته؛ ثم لا تمتنع الإشارة إلى عتو سابق، ثم لا يظهر معنى الزجر في {كَلاّ} المسبوقة بنحو قوله تعالى:

{فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ،} وقوله جل شأنه: {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ،} وقوله جل ذكره:

{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ}.

وقولهم: المعنى: انته عن ترك الإيمان بالتصوير في أي صورة ما شاء الله، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن تعسّف؛ إذ لم يتقدم في الأوليين حكاية نفي ذلك عن أحد، ولطول الفصل في الثالثة بين {كَلاّ،} وذكر العجلة، وأيضا فإن أول ما نزل خمس آيات من سورة (العلق)، ثم نزل قوله تعالى: {كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى،} فجاءت في افتتاح الكلام، والوارد منها في التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا، كلها في النصف الأخير، «وذلك في خمس عشرة سورة منه، وكلها مكية».

<<  <  ج: ص:  >  >>