للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوكل؛ فهو: الانقطاع عن الخلق بالكلية، والتوجه إلى الحق تعالى بالكلية. فالأول: مبدأ السلوك إلى الله تعالى، والثاني: هو آخر الطريق، ومنتهاه، والتوكل: تفويض الرجل الأمر إلى من يملك أمره، ويقدر على نفعه وضره. وقالوا: المتوكل من إن دهمه أمر، لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة، ثم سأل غيره خلاصه منها، لم يخرج عن حد التوكل؛ لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله، وإنما هو من تعاطي الأسباب في دفع المحنة.

الإعراب: {الَّذِينَ:} بدل من سابقه. وقيل: هو بدل من الضمير المنصوب. وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف. وقيل: منصوب بفعل محذوف، وجملة: {صَبَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول. {وَعَلى رَبِّهِمْ:} متعلقان بما بعدهما، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية: «يتوكلون على ربهم» معطوفة على جملة الصلة لا محل لها مثلها، والظاهر والله أعلم: أن المعنى على المضي، والتعبير بصيغة المضارع لاستحضار صورة توكلهم البديعة؛ حتى كأن السامع يشاهدها.

{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣)}

الشرح: {وَما أَرْسَلْنا:} إلى قوله تعالى: {إِلَيْهِمْ:} هذا رد لقول قريش حيث أنكروا نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقالوا: الله أعظم وأجل من أن يكون رسوله بشرا، فهلا بعث ملكا إلينا، وانظر الآية رقم [١٠٩] من سورة (يوسف) عليه السّلام، ففيها كبير فائدة، والمعنى هنا، وهناك أن سنة الله عز وجل جارية من أول مبدأ الخلق أنه لم يبعث إلا رسولا من البشر، فهذه عادة مستمرة، وسنة جارية قديمة. {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} أي: أهل الكتاب، وهم علماء اليهود، والنصارى، وإنما أمرهم الله بسؤال أهل الكتاب؛ لأن كفار مكة كانوا أميين، ويعتقدون: أنّ أهل الكتاب أهل علم، وقد أرسل الله إليهم رسلا منهم، مثل: موسى، وعيسى، وغيرهما من الرسل، وكانوا بشرا مثلهم. {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ذلك.

وفي الآية الكريمة دليل على أنه تعالى لم يرسل امرأة، ولا ملكا، ولا جنّيّا للدعوة العامة، وفي آية (يوسف) زيادة {مِنْ أَهْلِ الْقُرى} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه، وينبغي أن تعلم: أن الآية الكريمة إنما أمرت كفار قريش الأميين أن يسألوا أهل العلم من اليهود، والنصارى عما هم جاهلون به، فالأحرى بالجاهلين من المسلمين أن يسألوا علماء المسلمين عن أمور دينهم، وعمّا هم جاهلون به من أمر الدنيا والآخرة، فخصوص السبب لا يمنع التعميم في كل زمان ومكان، ولولا ذلك لما كنا مكلفين بالجهاد وغير ذلك مما هو من واجبات الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>