الشرح:{وَقَضى رَبُّكَ:} أمر وألزم وأوجب. وانظر الآية رقم [٤] وقرئ: «(وصّى)» و «(أوصى أن لا تعبدوا إلا إياه)». {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً:} أمر الله سبحانه بعبادته، وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}{إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما:} أو كلاهما: خص حالة الكبر؛ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف، والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر ممّا ألزمه من قبل؛ لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلاّ عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فذلك خصّ هذه الحالة بالذكر.
{فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} أي: لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم، وعن أبي رجاء العطارديّ قال: الأفّ: الكلام والقذع الرديء الخفي. وقال مجاهد: معناه: إذا رأيت منهما في حال الشيخوخة الغائط والبول الذي رأياه منك في الصغر، فلا تقذرهما، وتقول: أف. وقال بعضهم: معنى: {أُفٍّ:} الاحتقار، والاستقلال، أخذ من الأفف، وهو القليل، وروي من حديث عليّ-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو علم الله من العقوق شيئا أردأ من (أفّ) لذكره، فليعمل البارّ ما شاء أن يعمل؛ فلن يدخل النّار، وليعمل العاقّ ما شاء أن يعمل؛ فلن يدخل الجنّة».
يا أبتاه، ويا أماه من غير أن يسمّيهما، ويكنيهما. هذا؛ والمراد: بالوالدين: الأب، والأم، ففيه تغليب الأب على الأم. وأيضا في لفظ (الأبوين) تغليب، وفيه إشعار بتفضيل الأب على الأم، والذكر على الأنثى. هذا؛ ويقرأ: «(يبلغانّ)» بتشديد النون المكسورة، وقرئ:(أف) بقراءات كثيرة.
قال أبو البقاء العكبري-رحمه الله تعالى-فمن كسر؛ بناه على الأصل، ومن فتح؛ طلب التخفيف، مثل: رب، ومن ضم؛ أتبع، ومن نون؛ أراد التنكير، ومن لم ينون؛ أراد التعريف، ومن خفف الفاء؛ حذف أحد المثلين. وانظر شرح (أحد) في الآية رقم [٣٢] من سورة (الكهف)، وشرح {كِلْتَا} في الآية التالية لها منها أيضا، وكذا شرح كلا.
الإعراب:{وَقَضى:} الواو: حرف استئناف. (قضى): ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {رَبُّكَ:} فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة. من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَلاّ:}(أن) حرف تفسير. (لا): ناهية. {تَعْبُدُوا:} مجزوم ب: (لا) الناهية، هذا؛ أو هي حرف مصدري ونصب، و (لا) نافية والفعل منصوب ب: (أن)،