للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤)}

الشرح: {رَبَّكُمُ:} انظر الآية رقم [٣]. {اللهُ:} انظر الاستعاذة. {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ:} انظر الآية رقم [٦/ ١]. {فِي سِتَّةِ أَيّامٍ} أي: في ستة أوقات، أو في مقدار ستة أيام، فإن اليوم المتعارف عليه: من زمان طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يكن حينئذ. وفي خلق الأشياء مدرّجا مع القدرة على خلقها دفعة دليل للاختيار، واعتبار للنظار، وحث على التأني في الأمور وانظر شرح اليوم في الآية رقم [٦/ ١٢٨]. هذا؛ وقد ذكر في كثير من الآيات: {وَما بَيْنَهُما}. هذا؛ وما ذكر من أن الله ابتدأ الخلق يوم الأحد، وفرغ منه يوم الجمعة عصرا، وخلق يوم الأحد كذا، وخلق يوم الإثنين كذا، كل ذلك لم يثبت. {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ:} استولى، ولا يجوز تفسيره باستقر، وثبت، فيكون الله من صفات الحوادث، وهذا التأويل ينبغي أن يقال في كل ما يوهم وصفا لا يليق به تعالى.

{الْعَرْشِ:} قال الراغب في كتابه: (مفردات القرآن): وعرش الله عز وجل مما لا يعلمه البشر، إلا بالاسم على الحقيقة، وليس هو كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك؛ لكان حاملا له. تعالى الله عن ذلك. انتهى خازن.

هذا؛ وقد قال سليمان الجمل: وأما المراد به هنا: فهو الجسم النوراني المرتفع على كل الأجسام، المحيط بكلها. وانظر ما ذكرته في آية الكرسي رقم [٢/ ٢٥٥]. والمنقول عن جعفر الصادق والحسن، وأبي حنيفة، ومالك-رضي الله عنهم-: إن الاستواء معلوم، والتكييف فيه مجهول، والإيمان به واجب، والجحود له كفر، والسؤال عنه بدعة. انتهى نسفي. {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ:} يغطي به. ولم يذكر عكسه للعلم به. أو لأن اللفظ يحتملهما، ولذلك قرئ بنصب «الليل» ورفع «(النّهار)»، وقال النسفي: يلحق الليل بالنهار، والنهار بالليل، وقرئ بتشديد الشين.

وانظر شرح (الليل) و (النهار) في الآية رقم [٦/ ٩٦]. {يَطْلُبُهُ حَثِيثاً:} يعقبه سريعا كالطالب له، لا يفصل بينهما شيء.

{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ:} مذللات بقضائه، وتصريفه. وتقرأ هذه الأسماء بالنصب، والرفع. {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي: هو الذي خلق الأشياء، وله الأمر، فإنه الموجد، والمتصرف، وفي الآية دليل على أنه لا خالق إلا الله، عز وجل، وفيه ردّ على من يقول: إن للشمس، والقمر، والكواكب تأثيرات في هذا العالم. {تَبارَكَ:} تنزه الله عن كل ما لا يليق به.

وقال الخازن: تمجد، وتعظم، وارتفع. وهذا الفعل لم يأت منه مضارع، ولا أمر. {الْعالَمِينَ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>