الشرح: روي: أن عبد الله بن عبد الله بن أبي كان من المؤمنين المخلصين، فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرض أبيه أن يستغفر له، ففعل، فنزلت، فقال سيد الخلق، وحبيب الحق، الناطق بالصدق:«ولأزيدن على السبعين». فنزل قوله تعالى:{سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} وذلك لأنه صلّى الله عليه وسلّم فهم من السبعين العدد المخصوص؛ لأنه الأصل، فجوز أن يكون ذلك حدا، يخالف حكم ما وراءه، فبين الله له: أن المراد به التكثير، دون التحديد، وقد شاع استعمال السبعة، والسبعين، والسبعمائة، ونحوها في التكثير، لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد، فكأنه العدد بأسره، ولهذا كبر صلّى الله عليه وسلّم، لما صلى على عمه الحمزة رضي الله عنه سبعين تكبيرة، ولأن آحاد السبعين سبعة، وهو عدد شريف، فإن السموات سبع، والأرضون سبع، والأيام سبع، والأقاليم سبع، والبحار سبع، والنجوم السيارة سبع، فلهذا خص الله السبعين بالذكر للمبالغة في اليأس من طمع المغفرة لهم.
{اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ}: هذا أمر، ومعناه الخبر بدليل ما بعده، والمراد بهذا الكلام التساوي بين الاستغفار وعدمه في الإفادة، والمعنى: أطلب لهم المغفرة، أو لا تطلبها، فالسين والتاء للطلب، والفعل يتعدى لاثنين، أولهما بنفسه، والثاني بحرف جر، نحو استغفرت الله من ذنبي، وما في الآية من ذلك، وقد يحذف حرف الجر، فيصل إلى الثاني بنفسه، كقول الشاعر:[البسيط]
أستغفر الله ذنبا لست محصية... ربّ العباد إليه الوجه والقبل
وانظر الآية رقم [١٠٤] من سورة (يونس). {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ..}. إلخ: إشارة إلى أن اليأس من المغفرة، وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا، ولا تقصير في واجبك يا محمد، بل لعدم صلاحيتهم لغفران الذنوب بسبب الكفر الصارف عنها، {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ}. انظر شرح مثل هذه الجملة في الآية رقم [٢٠] وانظر شرح {الْفاسِقِينَ} في الآية رقم [١٤٥] من سورة (الأعراف)، والمراد بهم هنا: الكافرون، والتعبير عن الكافرين بالفاسقين والمجرمين، والظالمين، والمعتدين، والمسرفين، وغير ذلك كثير في القرآن الكريم، ويتهددهم بالعذاب الأليم ويتوعدهم بالعقاب الشديد، هذا؛ وإننا نجد الكثير من المسلمين يتصفون بهذه الصفات فهل يتوجه إليهم هذا التهديد، وهذا الوعيد؟ والحق أقول: نعم يتوجه إليهم ما ذكره، وهم أحق بذلك، ولا سيما من قرأ القرآن، واطلع على أحوال الأمم السابقة، وما جرى لهم مع رسلهم، وكيف نكل الله بهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين، {وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ} وانظر الآية رقم [١٣] من سورة (يونس) عليه السّلام.