قبلها، وتقدير الكلام: وما أرسلنا في قرية من القرى المهلكة نبيّا من الأنبياء في حال من الأحوال إلا حال كوننا قد أخذنا... إلخ، وجملة: {وَما أَرْسَلْنا..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَالسَّرّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥)}
الشرح: {السَّيِّئَةِ:} البلاء، كقحط، ومرض وشدائد، وقال أهل اللغة: السيئة: كل ما يسوء الإنسان، وأصلها «سيوئة» قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. {الْحَسَنَةَ:} الخير والنعمة كخصب وعافية، وراحة بال، وقال أهل اللغة: هي كل ما يستحسنه الطبع والعقل.
هذا؛ وانظر (نا) في الآية رقم [٧]. {حَتّى عَفَوْا:} حتى كثروا عددا، وعددا، وهو يتعدى ولا يتعدى. ويقال: عفا النبات، وعفا الشحم، والوبر: إذا كثر. وقال الحطيئة: [الطويل]
بمستأسد الغربان عاف نباته... بأسؤق عافيات الشّحم كوم
ومنه: إعفاء اللحية؛ أي: تركها حتى تطول، وتنمو. وعفا المنزل، يعفو عفاء: إذا انمحت آثاره، وذهبت معالمه، قال الشاعر: [البسيط]
وبالصّريمة منهم منزل خلق... عاف تغيّر إلاّ النّؤي والوتد
وعفو المال: ما يفضل عن الحاجة، قال تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} أي:
الفاضل عن حاجتهم، وعفا، يعفو بمعنى: صفح، يصفح، وهو كثير في القرآن، والعافي:
طالب المعروف والإحسان. قال عروة بن الورد: [الطويل]
وإني امرؤ عافي إنائي شركة... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
وجمع العافي: عفاة. قال الأعشى: [المتقارب]
تطوف العفاة بأبوابه... كطوف النّصارى ببيت الوثن
قالوا: انظر «القول» في الآية رقم [٥]. {مَسَّ:} أصاب، ونزل. {الضَّرّاءُ:} انظر الآية رقم [٦/ ٤٢]. {وَالسَّرّاءُ:} كل ما يسر من نعمة، وصحة، وغير ذلك. {بَغْتَةً:} فجأة. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:} الشعور: إدراك الشيء من وجه يدق، ويخفى، مشتق من الشعر لدقته، وسمي الشاعر شاعرا لفطنته، ودقة معرفته. والمعنى: وما يشعرون أن وبال كفرهم راجع على أنفسهم. وانظر شرح: {ثُمَّ} في الآية رقم [١٠٣] وانظر مثل إعلال: {عَفَوْا} في الآية [٢٥].
ومعنى الآية: يقول الله تعالى: أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء، والشدة السلامة من الآفات، والعاهات، والسعة في الأرزاق، والأموال اختبارا، وامتحانا بالأمرين؛ حتى كثروا