للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢)}

الشرح: {إِنَّ هذا كانَ..}. إلخ: أي: يقال لهم: إنما هذا جزاؤكم، وثوابكم. وهذا يكون بعد دخولهم فيها، ومشاهدتهم نعيمها، كما يقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ} سورة (الحاقة) رقم [٢٤]. وكقوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة (الأعراف) رقم [٤٣]. {وَكانَ سَعْيُكُمْ:} عملكم. {مَشْكُوراً} أي: عند الله، وشكره للعبد قبول طاعته، وثناؤه عليه، وإثابته إياه.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {هذا:} اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم {إِنَّ،} والهاء حرف تنبيه لا محل له. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمها يعود إلى اسم الإشارة. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {جَزاءً} بعدهما. {جَزاءً:} خبر {كانَ،} وجملة: {كانَ لَكُمْ جَزاءً} في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، انظر تقديره في الشرح، والقول المحذوف، ومقوله كلام مستأنف، لا محل له. (كان): فعل ماض ناقص. {سَعْيُكُمْ:} اسم (كان)، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {مَشْكُوراً:} خبر (كان)، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها.

{إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣)}

الشرح: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ:} هذا خطاب لسيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم. {الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً:}

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: متفرقا آية بعد آية، ولم ننزله جملة واحدة. والمعنى: أنزلنا عليك القرآن متفرقا لحكمة بالغة، تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين، والمقصود من ذلك تثبيت قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشرح صدره، وأن الذي أنزله إليه وحي منه، ليس بكهانة، ولا سحر؛ لتزول تلك الوحشة؛ التي حصلت له صلّى الله عليه وسلّم من قول الكفار: إنه سحر، أو شعر، أو كهانة.

هذا؛ و {نَزَّلْنا} بتشديد الزاي بمعنى: أنزلنا، والفرق بين الفعلين: أن أنزل يفيد: أن القرآن، أو السورة إنما نزل دفعة واحدة، وأما نزّل فيفيد: أن القرآن نزل مفرقا في ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع، ومقتضيات الأحوال على ما نرى عليه أهل الشعر، والخطابة. وهذا مما يريب القرشيين، كما حكى سبحانه وتعالى عنهم بقوله: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً} فبين سبحانه الحكمة من ذلك بقوله: {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً} سورة (الفرقان) رقم [٣٢] هذا؛ وانظر شرح (نا) في سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [١].

<<  <  ج: ص:  >  >>