الشرح: معنى الآية الكريمة: أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه، ولم يتمشّ له أمر دينه كما ينبغي ويجب، فليهاجر عنه إلى بلد يقدّر أنه فيه أسلم قلبا، وأصح دينا، وأكثر عبادة، وأحسن خشوعا. هذا؛ وإن الآية الكريمة نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة مستضعفين على الهجرة، فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه، وأن البقاء في أرض يؤذى فيها المسلم بسبب دينه، وطاعته لربه ليس بصواب، بل الحكمة الخروج من هذه الأرض إلى أرض يستطيع فيها أن يؤدي عبادته بحرية تامة.
ولا ريب: أن بقاع الأرض تتفاوت بالفضيلة، وما يكون فيها من راحة وهدوء، وما يتبع ذلك من طمأنينة وخشوع وخضوع لله تعالى، ولا يوجد في الأرض أرض تكون أعون على قهر النفس، وعصيان الشهوة، وأجمع للقلب المتلفت، وأضم للهم المنتشر، وأحث على القناعة، وأطرد للشيطان، وأبعد للفتن، وأضبط للأمر الديني في الجملة من سكنى حرم الله، وجوار بيت الله في مكة المكرمة، ومع ذلك فقد أمر الله المؤمنين بالهجرة منها حين كانت دار كفر، وكان المشركون يؤذونهم في دينهم.
هذا وقد قال مطرف بن الشخير: المعنى: إن رحمتي واسعة، وعنه أيضا: إن رزقي لكم واسع فابتغوه في الأرض. وقال سفيان الثوري: إذا كنت بأرض غالية، فانتقل إلى غيرها تملأ فيها جرابك خبزا بدرهم. وقيل: المعنى: إن أرضي التي هي أرض الجنة واسعة. وكل هذه الأقوال لا تستفاد من نص الآية؛ لأن الآيات السابقة تكلمت عن المشركين، وعن تعنتهم في سؤالهم، ثم ذكرت ما أعد لهم من العذاب الأليم، في نار الجحيم، وفي الوقت نفسه كانوا يؤذون المؤمنين المستضعفين؛ الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلا، فالقول الحق هو الأول، وهو أن الآية نزلت في تحريض المؤمنين، وحثهم على الهجرة من مكة المكرمة بأية وسيلة كانت، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبرا من الأرض؛ استوجب الجنّة، وكان رفيق إبراهيم ومحمّد». وعن سهل: إذا ظهرت المعاصي، والبدع في أرض؛ فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين.
الإعراب:(يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو، أو أنادي. (عبادي): منادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وهي تقرأ بالسكون وبحركة الفتحة.
{الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب صفة: (عبادي)، أو عطف بيان عليه، والبدلية لا تجوز؛ لأن المبدل منه في نية الطرح، ولا يمكن نداء الذين، بدون «أي» قبله، وهذه