قال البيضاوي رحمه الله تعالى: إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد؛ إذ لم يسبقه ذكر وعد، يجري مجرى السبب له، بخلاف قصتي صالح، ولوط، فإنه بعد ذكر الوعد، وذلك في قوله:
{وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} وقوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} فلذلك جاء بفاء السببية. {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ..}. إلخ: هذا الكلام مثل الآية رقم [٦٧] مع ملاحظة تأنيث الفعل هنا على لفظ {الصَّيْحَةُ،} وتذكيره هناك على تأويل: {الصَّيْحَةُ} بالصياح، أو قل: يجوز تأنيث الفعل، وتذكيره لسببين: الأول الفصل بين الفعل والفاعل بالمفعول الثاني، كون {الصَّيْحَةُ..}. مؤنثا مجازيا، وما كان من هذا يجوز تأنيث الفعل وتذكيره معه.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد إلا قوم صالح وقوم شعيب، أهلكم الله بالصيحة؛ غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم، هذا؛ وقد ذكر الله في الآية رقم [٧٣] من سورة (الحجر) أنه أخذ قوم لوط بالصيحة أيضا، انظر الكلام هناك.
الإعراب: أرجو أن تنظر إعراب (لما) ومدخولها في الآية رقم [٥٨] وإعراب ما يشبه هذا الكلام أيضا في الآية رقم [٧] وفي الآية [٨٢]، أما إعراب: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا..}. إلخ فانظره في الآية رقم [٦٧] ففيه الكفاية، وذلك بغية الاختصار.
{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)}
الشرح: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها}: انظر الآية رقم [٦٨]، وانظر {بُعْداً} في الآية رقم [٤٤].
الإعراب: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها}: انظر إعراب هذه الجملة ومحلها في الآية [٦٨]. {أَلا}:
حرف تنبيه واستفتاح يسترعي انتباه المخاطب لما يأتي بعده من كلام. {بُعْداً}: مفعول مطلق لفعل محذوف. {لِمَدْيَنَ}: متعلقان ب {بُعْداً،} أو بمحذوف صلة له، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. {كَما}: متعلقان بمحذوف صفة:
{بُعْداً}. و (ما): تحتمل الموصولة والمصدرية، فعلى الأول الجملة الفعلية بعدها صلتها، والعائد: محذوف، التقدير: بعدا كائنا كالذي بعدته ثمود، وعلى الثاني تؤول (ما) مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالكاف، التقدير: بعدا كائنا كإبعاد ثمود عن رحمة الله تعالى.
تنبيه: وبعد أن أهلك الله أهل مدين بالصيحة المعبر عنها في آية أخرى بالرجفة، وهي الزلزلة، ونجّى شعيبا والذين آمنوا معه أرسله إلى أصحاب الأيكة، وهي غيضة تنبت ناعم الشجر، كانت بقرب مدين، تسكنها طائفة من عباد الله، قيل: كانوا بادية مدين، وكان شعيب عليه السّلام أجنبيا منهم، وكانوا على مثل طريقة أهل مدين، من كفر وبخس للكيل، والميزان، فلما نهاهم عما هم فيه، قالوا: {إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ}