للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصب أولى من الرفع. وقال قوم: إذا كان الفعل يتوهم فيه الوصف، وأن ما بعده يصلح للخبر، وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر؛ اختير النصب في الاسم الأول؛ حتى يتضح: أن الفعل ليس بوصف، ومنه هذا الموضع؛ لأن قراءة الرفع تخيل: أن الفعل وصف، وأن الخبر: {بِقَدَرٍ} و {بِقَدَرٍ} على قراءة النصب متعلق بالفعل الناصب، وفي قراءة الرفع في محل رفع؛ لأنه خبر ل‍: (كلّ)، و (كل) وخبرها في محل رفع خبر ل‍: (إنّ) وسيأتي قريبا عكس هذا من اختيار الرفع في قوله: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)} فإنه لم يختلف في رفعه، قالوا: لأن نصبه يؤدي إلى فساد المعنى؛ لأن الواقع خلافه. وذلك: أنك لو نصبته؛ لكان التقدير: فعلوا كل شيء في الزبر، وهو خلاف الواقع؛ إذ في الزبر أشياء كثيرة جدا، لم يفعلوها، وأما قراءة الرفع فتؤدي إلى أن كل شيء فعلوه هو ثابت في الزبر، وهو المقصود، ولذلك اتفق على رفعه، وهذان الموضعان من نكت المسائل العربية؛ التي اتفق مجيئها في سورة واحدة في مكانين متقاربين. انتهى. جمل نقلا من السمين.

{وَما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)}

الشرح: {وَما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ} أي: وما أمرنا إلا مرّة واحدة. وقيل: معناه: وما أمرنا للشيء إذا أردنا تكوينه إلا بكلمة واحدة: كن فيكون، لا مراجعة فيه، فعلى هذا: إذا أراد الله -سبحانه وتعالى-شيئا؛ قال له: كن، فيكون، فهنا بان فرق بين الإرادة، والقول، فالإرادة قدر، والقول قضاء، وقوله: {واحِدَةٌ} فيه بيان: أنه لا حاجة إلى تكرير القول، بل هو إشارة إلى نفاذ الأمر. انتهى. خازن. {إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد: أن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر؛ أي: لا يتأخر طرفة عين، وما أحسن قول الشاعر: [الطويل] إذا ما أراد الله أمرا فإنّما... يقول له: كن-قولة-فيكون

وفي سورة (النحل) رقم [٧٧]: {وَما أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} والمعنى:

{وَما أَمْرُ السّاعَةِ} أي: وما أمر قيام القيامة في سرعته، وسهولته إلا كلمح البصر؛ أي: كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها، واللمح: النظر بالعجلة.

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ} يعني: أمثالكم، وأشباهكم، وأسلافكم من الأمم السابقة المكذبة بالرسل، فهو كقوله تعالى في سورة (سبأ) رقم [٥٤]: {كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ}. {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: فهل من متعظ بما أخزى الله أولئك الأقوام، فيعرف: أن ذلك حق، فيخاف، ويعتبر. وانظر إعلال (مدّكر) فيما تقدم. هذا؛ و (أشياع) جمع: شيعة، وكل قوم اجتمعوا على أمر، فهم شيعة، وأشياع، وأصله من التشييع، وهو التحزب، ومعنى الشيعة: الجماعة الذين يتبع

<<  <  ج: ص:  >  >>