الشرح:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ:} هذا نعت للمحسنين؛ أي: هم لا يرتكبون الإثم، وهو الشرك؛ لأنه أكبر الاثام. {وَالْفَواحِشَ:} الزنى، وقال مقاتل:{كَبائِرَ الْإِثْمِ} كل ذنب ختم بالنار،. {وَالْفَواحِشَ} كل ذنب فيه الحد، وجمع الإثم آثام. هذا؛ والإثم اسم من أسماء الخمرة، قاله الحسن وعطاء. قال الجوهري: وقد تسمى الخمر إثما، واستدل عليه بقول بعض الجاهليين:[الوافر] شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي... كذاك الإثم يذهب بالعقول
وبه فسر في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٣٣]: {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} فيكون في ذلك إلقام حجر في فم كل من يقول: لم تذكر مادة حرم في تحريم الخمر.
{إِلاَّ اللَّمَمَ} أي: إلا ما قل، وصغر من الذنوب. وقيل: هي مقاربة المعصية، من قولك:
ألممت بكذا: إذا قاربته من غير مواقعة. ومعنى الاية: إلا أن يلم بالفاحشة مرة، ثم يتوب، أو يقع الوقعة، ثم ينتهي. وهو قول أبي هريرة، ومجاهد، والحسن. وهو رواية عن ابن عباس -رضي الله عنهم أجمعين-. وقال أبو صالح: سئلت عن قول الله عز وجل: {إِلاَّ اللَّمَمَ} فقلت:
هو الرجل يلم بالذنب، ثم لا يعاوده، فذكرت ذلك لابن عباس-رضي الله عنهما-فقال:
أعانك عليها ملك كريم. وعن ابن عباس أيضا: هو الرجل يلمّ بذنب، ثم يتوب. قال: ألم تسمع النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول؟: [الرجز] إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا... وأيّ عبد لك لا ألمّا؟!
أخرجه الترمذي بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والبيت لأمية بن أبي الصلت، قاله عند احتضاره، وتمثل به النبي صلّى الله عليه وسلّم تمثلا، وهذا هو الشاهد رقم [٤٤٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». هذا؛ واللمم: صغار الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك مما هو دون الزنى. وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة، ومسروق، والشعبي.
والرواية الأخرى عن ابن عباس-رضي الله عنهم أجمعين-فقد قال ابن عباس: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله-عز وجلّ-كتب على ابن آدم حظّه من الزّنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تتمنّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه». متفق عليه.