للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اِتَّقى (٣٢)}

الشرح: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ:} هذا نعت للمحسنين؛ أي: هم لا يرتكبون الإثم، وهو الشرك؛ لأنه أكبر الاثام. {وَالْفَواحِشَ:} الزنى، وقال مقاتل: {كَبائِرَ الْإِثْمِ} كل ذنب ختم بالنار،. {وَالْفَواحِشَ} كل ذنب فيه الحد، وجمع الإثم آثام. هذا؛ والإثم اسم من أسماء الخمرة، قاله الحسن وعطاء. قال الجوهري: وقد تسمى الخمر إثما، واستدل عليه بقول بعض الجاهليين: [الوافر] شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي... كذاك الإثم يذهب بالعقول

وبه فسر في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٣٣]: {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} فيكون في ذلك إلقام حجر في فم كل من يقول: لم تذكر مادة حرم في تحريم الخمر.

{إِلاَّ اللَّمَمَ} أي: إلا ما قل، وصغر من الذنوب. وقيل: هي مقاربة المعصية، من قولك:

ألممت بكذا: إذا قاربته من غير مواقعة. ومعنى الاية: إلا أن يلم بالفاحشة مرة، ثم يتوب، أو يقع الوقعة، ثم ينتهي. وهو قول أبي هريرة، ومجاهد، والحسن. وهو رواية عن ابن عباس -رضي الله عنهم أجمعين-. وقال أبو صالح: سئلت عن قول الله عز وجل: {إِلاَّ اللَّمَمَ} فقلت:

هو الرجل يلم بالذنب، ثم لا يعاوده، فذكرت ذلك لابن عباس-رضي الله عنهما-فقال:

أعانك عليها ملك كريم. وعن ابن عباس أيضا: هو الرجل يلمّ بذنب، ثم يتوب. قال: ألم تسمع النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول؟: [الرجز] إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا... وأيّ عبد لك لا ألمّا؟!

أخرجه الترمذي بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والبيت لأمية بن أبي الصلت، قاله عند احتضاره، وتمثل به النبي صلّى الله عليه وسلّم تمثلا، وهذا هو الشاهد رقم [٤٤٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». هذا؛ واللمم: صغار الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك مما هو دون الزنى. وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة، ومسروق، والشعبي.

والرواية الأخرى عن ابن عباس-رضي الله عنهم أجمعين-فقد قال ابن عباس: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله-عز وجلّ-كتب على ابن آدم حظّه من الزّنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تتمنّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه». متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>