للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{عِنْدَها رِزْقاً} في محل نصب حال من زكريا، والمعنى لا يؤيده. كما أغرب أبو البقاء، فقال:

ويجوز أن يكون التقدير: فقال، فحذف الفاء. وهو تكلّف لا داعي له أيضا.

{قالَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى {مَرْيَمُ} هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، {مِنْ عِنْدِ:} متعلقان بمحذوف خبره، و {عِنْدِ} مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَتْ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهِ:} اسمها. {يَرْزُقُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى: {اللهِ}. {مِنْ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به أوّل، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: يرزق الذي، أو: شيئا يشاؤه رزقا واسعا. {بِغَيْرِ حِسابٍ:} {بِغَيْرِ:} متعلقان ب‍ «واسعا» الذي قدرته لك. وقال أبو البقاء: متعلقان بمحذوف حال من المفعول؛ لأن الفعل {يَرْزُقُ} ينصب مفعولين؛ لأنه بمعنى: يعطي، ويمنح، وقد نصبهما، والثاني منهما: {رِزْقاً} الذي قدرته، والجملة الاسمية: {إِنَّ اللهَ..}. إلخ في محل نصب مقول القول؛ إن كانت من كلام مريم عليها السّلام، ومستأنفة؛ إن كانت من كلام الله تعالى.

{هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨)}

الشرح: {هُنالِكَ:} في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم، أو في ذلك الوقت. فقد يستعار: هنا، وحيث، وثمّ للزّمان، وإن كان الأصل فيهنّ للمكان. ومثله قوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ} وقال في سورة (الكهف): {هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ} ومثلها في سورة (الأعراف)، و (الفرقان)، و (الأحزاب) وسورة (ص) و (غافر). ولمّا رأى زكريا، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام إتيان الرزق لمريم في غير أوانه، وعلم: أنّ القادر على ذلك قادر على الإتيان بالولد على الكبر، وكان أهل بيته قد انقرضوا؛ سأل الله الولد، وكان ذلك في جوف اللّيل لمّا دخل محرابه للصّلاة، والعبادة.

{ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} أي: نسلا صالحا، مباركا، تقيّا، رضيّا. وإنما قال: {طَيِّبَةً} لتأنيث لفظ الذرية، كقول الشاعر: [الوافر]

أبوك خليفة ولدته أخرى... وأنت خليفة ذاك الكمال

فأنّث «ولدته» لتأنيث لفظ الخليفة، وروي من حديث أنس-رضي الله عنه-قال، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ رجل مات، وترك ذريّة طيّبة؛ أجرى الله له مثل أجر عملهم، ولم ينقص من أجورهم شيئا». {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ:} سامعه، ومجيبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>