للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى: إن نعذبهم؛ في حياتك، أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب. ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨)}

الشرح: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ:} انظر تفصيل ذلك في الآية رقم [١] من سورة (الأحزاب). {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ} أي: ذكرنا قصصهم، وأخبارهم في القرآن، وهم خمسة وعشرون، والباقي لم نقصهم عليك فيه. ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [١٦٤]:

{وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}. {وَما كانَ لِرَسُولٍ} أي: ما صح وما استقام لرسول. وهذا التعبير: {وَما يَنْبَغِي} {وَما كانَ} ونحوهما معناه: الحظر، والمنع، لحظر الشيء، والحكم بأنه لا يجوز، كما في هذه الآية، وربما كان لامتناع ذلك الشيء عقلا، كقوله تعالى في سورة (النمل) رقم [٦٠]: {ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها} وربما كان لامتناع العلم بامتناعه شرعا، كقوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٧٩]: {ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} وقوله تعالى في سورة (الشورى) رقم [٥١]: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ..}. إلخ. وربما كان في المندوبات، كما تقول: ما كان لك يا فلان أن تترك صلاة الفجر في الجماعة، ونحو ذلك.

{أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} أي: أن يأتي بمعجزة إلا بأمر الله، وتقديره، فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته، وإرادته كسائر القسم، ليس لأحد منهم اختيار في إيثار بعضها، والاستبداد بإتيان المقترح بها.

{فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ} أي: قضاؤه وحكمه بنزول العذاب. {قُضِيَ بِالْحَقِّ} أي: حكم بإنجاء المحق المطيع لربه، وتعذيب المبطل العاصي لخالقه، ورازقه. {وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ:}

المعاندون للحق، السادرون في شهوات الغي بعد ظهور الآيات، الذين يجادلون بالباطل، ويقترحون المعجزات على سبيل التعنت، وكانوا طلبوا من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن يفجر لهم في أرض مكة عيونا، وأنهارا. هذا؛ وختم الله هذه الآية بقوله: {الْمُبْطِلُونَ} وختم آخر السورة بقوله: {الْكافِرُونَ} لأن الأول متصل بقوله: {قُضِيَ بِالْحَقِّ} ونقيض الحق، هو الباطل، والثاني متصل بإيمان غير نافع، ونقيض الإيمان الكفر.

المعنى الإجمالي للآية: إن الله تعالى قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: أنت كالرسل من قبلك، وقد ذكرنا حال بعضهم لك، ولم نذكر حال الباقين، وليس منهم أحد أعطاه الله آيات معجزات؛ إلا وقد جادله

<<  <  ج: ص:  >  >>