للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ثانية للموصوف المحذوف. {فِي الْآخِرِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من المفعول المحذوف، أو هما المفعول الثاني للفعل: (تركنا)، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.

{سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢)}

الشرح: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} أي: سلام عاطر من الله تعالى، والخلائق على نوح باق على الدوام بدون انقطاع. قال سعيد بن المسيب-رحمه الله تعالى-: بلغني: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«من قال حين يمسي: سلام على نوح في العالمين لم تلدغه عقرب». ذكره أبو عمر في التمهيد.

وفي الموطأ عن خولة بنت حكيم-رضي الله عنها-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نزل منزلا، فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق فإنه لا يضرّه شيء حتى يرتحل». {إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ:} هذا تعليل لما فعل بنوح-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-من إكرامه بإجابة دعائه، وإبقاء ذريته، وذكره الجميل، وتسليم العالمين عليه، فعلّل ذلك بكونه من زمرة المأمورين بالإحسان، الراسخين فيه، وإن ذلك من قبيل مجازاة الإحسان بالإحسان. {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ:} فهذا تعليل لإحسانه بإيمانه، إجلالا لشأن الإيمان وشرفه، وترغيبا في تحصيله، والثبات عليه، والازدياد منه، كما قال تعالى في مدح إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ} وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما ما لا يخفى، فلا يرد: كيف مدح نوحا، وإبراهيم، وغيرهما كموسى، وعيسى عليهما الصلاة والسّلام بذلك مع أن مرتبة الرسل فوق مرتبة المؤمنين. انتهى. جمل نقلا عن كرخي.

هذا؛ والإضافة في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا} إضافة تشريف، وتعظيم، وتبجيل، وذكر العبودية مقام عظيم. والعبد: الإنسان حرا كان، أو رقيقا، ويجمع على عبيد، وعباد، وأعبد، وعبدان، وعبدة، وغير ذلك.

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} أي: أغرقنا الكافرين؛ الذين لم يؤمنوا بنوح عن بكرة أبيهم، فلم تبق منهم عين تطرف، ولا ذكر، ولا أثر. هذا؛ و {الْآخَرِينَ} جمع: آخر، ومؤنثه: أخرى، وكلاهما بمعنى: غير، وأخرى تجمع على: أخر، وأخريات، والآخر (بفتح الخاء) يكون ما قبله، وما بعده من جنسه. هذا؛ والآخر (بكسر الخاء) لا يكون بعده شيء غيره، ومؤنثه:

أخرى، وآخرة أيضا، وجمع الأولى: أخريات، وجمع الثانية: أواخر. هذا؛ والأخرى: دار البقاء، وكلاهما ضد الأول. هذا؛ و {ثُمَّ} هنا ليست للتراخي، بل هي لتعداد النعم، والمعنى:

ثم إني أخبركم: أني قد أغرقت الآخرين، وهم الذين أعرضوا عن الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>