للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧)}

الشرح: {قُتِلَ:} لعن. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كل شيء في القرآن (قتل) فهو: لعن. {الْأُخْدُودِ:} الشق العظيم المستطيل في الأرض، كالخندق، وجمعه: أخاديد، ومنه: الخد لمجاري الدموع، والمخدة؛ لأن الخد يوضع عليها. ويقال: تخدد وجه الرجل: إذا صارت فيه أخاديد من جراح، ونحوه. قال طرفة في معلقته رقم [١١]: [الطويل]

ووجه كأنّ الشّمس حلّت رداءها... عليه نقيّ اللّون لم يتخدّد

{النّارِ ذاتِ الْوَقُودِ:} صاحبة الوقود بفتح الواو؛ أي: ما توقد به النار، وأما بضمها؛ فهو المصدر، وكذلك الاسم منه، وبعضهم قال: كلّ من الفتح، والضم يجري في المصدر، والآلة، وكذا يقال في الوضوء، والسحور، والطهور، ونحو ذلك، ولكن المشهور الأول، والمراد في الآلة مادة الفعل كالماء في الوضوء، والحطب في الوقود، والطعام في السحور، والمراد بالمصدر الفعل والحدث.

{إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ} أي: عند النار، وعلى بمعنى: عند. وقيل: (عليها) على ما يدنو منها من حافات الأخدود. قال الأعشى وهو الشاهد رقم [٢٤٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

تشبّ لمقرورين يصطليانها... وبات على النّار النّدى والمحلّق

{وَهُمْ} أي: الملك الكافر الذي خدّ الأخدود وأصحابه. {عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ:} من الإحراق في النار، والتعذيب. {شُهُودٌ:} حضور. وقيل: يشهدون: أن المؤمنين ضلال حين تركوا عبادة الأصنام. وقيل: يشهد بعضهم لبعض عند الملك: أن أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به، وفوض إليه من التعذيب. وفيه حث للمؤمنين على الصبر، وتحمل أذى أهل مكة: وذلك:

أن هذه القصة كانت مشهورة عند أهل مكة، فذكر الله ذلك لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملهم بذلك على الصبر، وتحمل المكاره في الدين. واختلفوا في أصحاب الأخدود، وأكتفي برواية مسلم عن صهيب-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلّمه السّحر، فبعث إليه غلاما يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك إليه راهب، فقعد إليه، وسمع منه، فأعجبه كلامه، فكان إذا أتى الساحر؛ مرّ بالراهب، وقعد إليه، فإذا أتى الساحر؛ ضربه، وإذا رجع من السّاحر قعد إلى الراهب، وسمع كلامه، فإذا أتى أهله؛ ضربوه، فشكا ذلك إلى الرّاهب.

فقال: إذا خشيت الساحر؛ قل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك؛ فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم: الراهب أفضل،

<<  <  ج: ص:  >  >>