للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: ما تقدم يدل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، أي في الأعمال الصالحة، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه». وروي: أنه قال لعمه، ولعمته، وبناته: «لا يأتيني الناس بالأعمال، وتأتونني بالأنساب».

وفي الآية دليل على جواز صلة الكافر، وإرشاده، ونصيحته، ولا سيما إذا رأى منه لينا، وميلا إلى الإسلام، ولقد سها الزمخشري-رحمه الله تعالى-حيث ذكر في النداء المتقدم ذكره قوله: «ثم قال: يا عائشة بنت أبي بكر، ويا حفصة بنت عمر، ويا فاطمة بنت محمد، ويا صفية عمّة محمد، اشترين أنفسكن من النار، فإني لا أغني عنكن من الله شيئا». وأين عائشة، وأين كانت حفصة-رضي الله عنهما-وعن والديهما؛ حين خاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم عشيرته بهذا الخطاب، حين نزلت عليه الآية الكريمة!؟.

الإعراب: {وَأَنْذِرْ:} الواو: حرف عطف. (أنذر): فعل أمر، وفاعله مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت».

{عَشِيرَتَكَ:} مفعول به، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {الْأَقْرَبِينَ:} صفة {عَشِيرَتَكَ} منصوب مثله، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة: {وَأَنْذِرْ..}. إلخ معطوفة على جملة:

(لا تدع...) إلخ لا محل لها مثلها، الأولى بالاستئناف، والثانية بالإتباع.

{وَاِخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)}

الشرح: {وَاخْفِضْ جَناحَكَ:} ألن جانبك {لِمَنِ اتَّبَعَكَ} وتواضع لهم، فالطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع على الأرض؛ كسر جناحه، وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في التواضع، ولين الجانب، ومنه قول بعضهم: [المتقارب]

وأنت الشّهير بخفض الجناح... فلا تك في رفعه أجدلا

الأجدل: الصقر، ونحوه من الطيور الجوارح، فالشاعر ينهى ممدوحه عن التكبر بعد التواضع، ففي الآية الكريمة استعارة مكنية، وهي ما حذف فيها المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه، فقد استعير الطائر للذل، ثم حذفه ودل عليه بشيء من لوازمه، وهو الجناح، وإثبات الجناح للذل يسمونه: استعارة تخييلية، ومثل الآية قول أبي ذؤيب الهذلي: [الكامل]

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع

حيث أثبت الأظفار للمنية، وهي لا ترى، ولا تشاهد على طريقة الاستعارة التخييلية، وأيضا قول لبيد بن ربيعة-رضي الله عنه-: [الكامل]

<<  <  ج: ص:  >  >>