للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى لا يراه أحد من خلقه، وإن رؤيته مستحيلة عقلا؛ لأن الله أخبر: أن الأبصار لا تدركه، وإدراك البصر عبارة عن الرؤية؛ إذ لا فرق بين قوله: أدركته ببصري، ورأيته ببصري، فثبت بذلك أن قوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ} بمعنى: لا تراه الأبصار، وهذا يفيد العموم.

ومذهب أهل السنّة: أن المؤمنين يرون ربهم في عرصات القيامة، وفي الجنة، وأن رؤيته غير مستحيلة عقلا، واحتجوا لصحة مذهبهم بتظاهر أدلة الكتّاب، والسنّة والإجماع من الصحابة، ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تبارك وتعالى للمؤمنين في الآخرة، قال الله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} ففي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة إلى غير ذلك من الآيات، والأحاديث. انتهى جمل منقولا عن الخازن بحروفه. وبقي فيه كلام كثير.

أقول: يبقى تأويل الآية الكريمة على استحالة رؤية الله في الدنيا.

الإعراب: {لا:} نافية. {تُدْرِكُهُ:} مضارع، والهاء مفعول به. {الْأَبْصارُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {وَهُوَ:} الواو: واو الحال. (هو): مبتدأ. {يُدْرِكُ:}

مضارع، والفاعل يعود إلى (الله). {الْأَبْصارُ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {وَهُوَ يُدْرِكُ..}. إلخ في محل نصب حال من الضمير الواقع مفعولا به، والرابط: الواو، والضمير الواقع مبتدأ، وهو أولى من العطف على ما قبلها. والجملة الاسمية: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها.

{قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤)}

الشرح: {جاءَكُمْ:} انظر الآية رقم [٥]. {بَصائِرُ:} جمع بصيرة، وهي للنفس كالبصر للبدن، سميت بها الدلالة؛ لأنها تجلى لها الحق، وتبصرها به.

وقال النسفي: البصيرة نور القلب الذي يستبصر به القلب، كما أن البصر نور العين الذي به تبصر. {رَبِّكُمْ:} انظر سورة (الفاتحة) رقم [١] أو [٧/ ٣]. {فَمَنْ أَبْصَرَ:} الحق، وآمن به.

{فَلِنَفْسِهِ} أي: أبصر، وإياها نفع. {وَمَنْ عَمِيَ} أي: عن الحق، وضل سواء السبيل.

{فَعَلَيْها} أي: فعلى نفسه وبال إضلاله. {وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي: أحفظ أعمالكم، وأجازيكم عليها، إنما أنا منذر، والله هو الحفيظ، والرقيب عليكم، يحفظ أعمالكم، ويجازيكم عليها. وهذا كلام ورد على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحكاه الله عنه.

الإعراب: {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {جاءَكُمْ:} ماض، والكاف في محل نصب مفعول به. {بَصائِرُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {مِنْ رَبِّكُمْ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>