للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقرئ: («إلاّ من ظلم») بفتح الظّاء، واللام. والمعنى عليه: إلا من ظلم في فعل، أو في قول فاجهروا له بالسّوء من القول. ففيه معنى النهي عن فعله القبيح، والتوبيخ له، والردّ عليه، فإنّه يقال للمنافق: ألست المنافق الكافر الذي لك في الآخرة الدّرك الأسفل من النّار؟! وقال قوم: معنى الكلام: لكن من ظلم، فإنّه يجهر بالسوء ظلما، وعدوانا، وهذا شأن كثير من الظّلمة، ودأبهم، فإنّهم مع ظلمهم يستطيلون على الناس بألسنتهم، وينالون من عرض مظلومهم ما حرّم الله عليهم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

{وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً:} تحذير للظّالم حتّى لا يظلم، وللمظلوم حتى لا يتعدّى الحدّ في الانتصار. وخذ قوله تعالى في سورة (الشورى): {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}. وقوله جلّ ذكره فيها أيضا: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المستبّان ما قالا، فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم». أخرجه أبو داود برقم: [٤٨٩٤]، ومسلم برقم [٢٥٨٧]، وعن عياض بن حمار-رضي الله عنه-قال: قلت: يا نبي الله! الرجل يشتمني، وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال: «المستبّان شيطانان يتهاتران يتكاذبان». رواه ابن حبّان في صحيحه.

الإعراب: {لا:} نافية. {يُحِبُّ:} فعل مضارع. {اللهُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {الْجَهْرَ:} مفعول به. {بِالسُّوءِ:} متعلقان ب‍ {الْجَهْرَ} لأنّه مصدر، فهما في محل نصب مفعول به. {مِنَ الْقَوْلِ:} متعلقان بمحذوف حال من (السوء). {إِلاّ:} حرف حصر. أو أداة استثناء. {مِنَ:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بإضافة اسم محذوف إليه، التقدير: إلاّ جهر من. وهذا المحذوف بدل من: {الْجَهْرَ،} أو هو مستثنى منه. والأول أقوى؛ لأنّ الكلام تامّ منفي، و {مِنَ} تحتمل الموصولة، والموصوفة. {ظُلِمَ:} فعل ماض مبني للمجهول، أو للمعلوم، ونائب الفاعل، أو الفاعل يعود إلى: {مِنَ،} والجملة الفعلية صلة:

{مِنَ} أو صفتها، وجملة: {وَكانَ..}. إلخ مستأنفة لا محلّ لها.

{إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)}

الشرح: {إِنْ تُبْدُوا خَيْراً..}. إلخ؛ أي: إن أظهرتم أيّها النّاس عمل الخير، أو أخفيتموه، أو عفوتم عمّن أساء إليكم. والخير في هذه الآية يشمل جميع أعمال البرّ من طاعة الله، ومن إحسان، ومعروف لأي مخلوق يدبّ على وجه الأرض. والعفو يشمل التّجاوز عن كلّ إيذاء، وإساءة، ومضرّة من أيّ مخلوق. {فَإِنَّ اللهَ كانَ..}. إلخ. يعني: لم يزل ذا عفو مع قدرته على الانتقام، فاعفوا أنتم عمّن ظلمكم، واقتدوا بسنّة الله، ورسوله؛ يعف عنكم يوم القيامة؛ لأنّه أهل للتّجاوز، والعفو عنكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>