للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر تأكيدا لما في الجملة السّابقة، والغرض من ذلك إظهار كذب اليهود في فنّ آخر من أباطيلهم، وافتراءاتهم. {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:} انظر الآية رقم [٩١] فالإعراب لا يتغيّر، والتقدير هنا: إن كنتم مؤمنين؛ فتمنوا الموت.

{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ (٩٥)}

الشرح: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} أي: الموت؛ لما يعلمون من مآلهم السّيئ، وعاقبتهم عند الله الخاسرة. {أَبَداً:} الأبد: هو الزمان الطويل، الذي ليس له حدّ، فإذا قلت: لا أكلمك أبدا، فالأبد من وقت التكلم إلى آخر العمر. {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بما فعلوا من الكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وتحريف التوراة، ونسب إلى الأيدي جميع ما اقترفوه؛ لأن أكثر الأعمال تزاول باليد، {عَلِيمٌ:} صيغة مبالغة. (الظالمين): الكافرين حيث ظلموا أنفسهم بالكفر، وقال: {بِالظّالِمِينَ} ولم يقل: بهم؛ إقامة للظاهر مقام المضمر، إشارة إلى أنهم غارقون بالظلم، والفساد، والطغيان، وفيه وعيد، وتهديد لا يخفيان. هذا؛ والحكمة في الإتيان ب‍ ({لَنْ}) بقوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} أبدا هنا وفي سورة الجمعة ب‍ (لا) بقوله: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً:} أنّ ادّعاءهم هنا أعظم من ادّعائهم هناك، فإنّهم ادعوا هنا اختصاصهم بالجنّة، وهناك كونهم أولياء لله من دون الناس، فناسب هنا التوكيد ب‍ ({لَنْ}) المفيدة للنفي في الحاضر، والمستقبل، وأما هناك فاكتفى بالنفي.

وقال الزمخشري: لا فارق بين (لا) و (لن) في أنّ كل واحدة منهما نفي للمستقبل إلا أن في (لن) تأكيدا وتشديدا ليس في (لا) فأتى بلفظ التأكيد في {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} أي في هذه الآية، ومرّة بغير لفظه في سورة الجمعة في: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً}. قال الشيخ: هذا رجوع عن مذهبه-وهو أن «لن» تقتضي النفي على التأبيد-إلى مذهب الجماعة، وهو أنّها لا تقتضيه. قلت: ليس فيه رجوع، غاية ما فيه: أنه سكت عنه، وتشريكه بين (لا) و (لن) في نفي المستقبل لا ينفي اختصاص (لن) بمعنى آخر. جمل. نقلا عن السّمين.

الإعراب: {وَلَنْ:} الواو: حرف استئناف. ({لَنْ}): حرف نفي، ونصب، واستقبال، {يَتَمَنَّوْهُ:} فعل مضارع منصوب ب‍ ({لَنْ}) وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والهاء مفعوله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {أَبَداً:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، والأول أقوى. {قَدَّمَتْ:} فعل ماض، والتاء تاء للتأنيث. {أَيْدِيهِمْ:}

فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: بالذي، أو بشيء قدمته أيديهم، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، أي: بتقديم

<<  <  ج: ص:  >  >>