للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩)}

الشرح: {إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً:} قال المفسرون: أخذ جبريل-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-بعضادتي باب المدينة، وصاح بهم صيحة واحدة. {فَإِذا هُمْ خامِدُونَ:}

ميتون خمدا كما تخمد النار، فتعود رمادا. ففيه تشبيه بليغ، كما قال لبيد بن ربيعة الصحابي -رضي الله عنه-: [الطويل] وما المرء إلاّ كالشّهاب وضوئه... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

هذا؛ ويقرأ برفع «(صيحة)» أيضا على اعتبار (كان) تامة، ومثلها الآية رقم [٥٣] الآتية، والإعراب يوضح ذلك. ولعلك تدرك معي: أن الله تعالى لم يصرح باسم البلدة، التي حصل فيها ما حصل، ولم يصرح باسم الشخص الذي دعا أهلها إلى عبادة الله تعالى، ولا باسم الرسل الكرام؛ لأن كل ذلك ليس هو الهدف والغاية من القصة؛ لأن القصد منها التذكير، والاعتبار.

وهذا من محاسن القرآن الكريم، وبلاغته الخارقة في الإيجاز في القصص، والأخبار، والإشارة إلى روح القصة وسرّها. وهذا؛ واضح وجلي في كل ما قص علينا من قصص. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِنْ:} حرف نفي بمعنى: «ما». {كانَتْ:} فعل ماض ناقص، واسمها محذوف، يفهم من المقام. التقدير: ما كانت العقوبة، أو الأخذة النازلة بهم. {إِلاّ:} حرف حصر.

{صَيْحَةً:} خبر (كان) وعلى قراءتها بالرفع فهي فاعل: {كانَتْ} على اعتبارها بمعنى: حصلت، ووقعت. {واحِدَةً:} صفة: {صَيْحَةً} على القراءتين. {فَإِذا:} الفاء: حرف عطف وتعقيب، وخذ ما قاله السيوطي-رحمه الله تعالى-فيها: اختلف في هذه الفاء. فقال المازني: هي زائدة لازمة للتأكيد؛ لأن «إذا» الفجائية فيها معنى الإتباع، ولذا وقعت في جواب الشرط موقع الفاء، وهذا ما اختاره ابن جني، وقال مبرمان: هي عاطفة لجملة: (إذا) ومدخولها على الجملة قبلها.

واختاره الشلوبين الصغير، وأيده أبو حيان بوقوع {ثُمَّ} موقعها في قوله تعالى: {ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ...}. وقال الزجاج: دخلت على حد دخولها في جواب الشرط. انتهى. أي: فهي للسببية المحضة. وفي مغني اللبيب نحو هذا.

(إذا): كلمة دالة على المفاجأة هنا، وهي تختص بالدخول على الجملة الاسمية، ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال، نحو: خرجت، فإذا الأسد بالباب. وهي حرف عند الأخفش، وابن مالك، ويرجحه: (خرجت فإذا إن زيدا بالباب) لأن «إنّ» لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وظرف مكان عند المبرد، وابن عصفور، وظرف زمان عند الزجاج، والزمخشري. وزعم الأخير: أن عاملها فعل مشتق من لفظ المفاجأة. ولا يعرف هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>