للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)}

الشرح: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ} أي: وآخرون من المتخلفين عن غزوة تبوك مؤخرون وموقوف أمرهم لحكم الله تعالى فيهم، و {مُرْجَوْنَ} من: أرجيته، أي: أخرته، ويقرأ بالهمزة «مرجئون» من أرجأته، أي: أخرته أيضا، وهذا كقراءتهم في الأحزاب: «(ترجئ)» بالهمز، وبدونه، وهما لغتان، يقال: أرجأته، وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن يكونا أصليين بنفسهما، وأن تكون الياء بدلا من الهمزة؛ لأنه قد عهد تحقيقها إلى الياء كثيرا، كقرأت وقريت، وتوضأت وتوضيت. انتهى. جمل نقلا عن السمين. وانظر {أَرْجِهْ} في الآية رقم [١١١] من سورة (الأعراف). {إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}: {إِمّا} هاهنا للشك، والله سبحانه عالم بمصير الأشياء، ولكن المخاطبة للعباد على ما يعرفون، أي: ليكن أمرهم عندكم على الرجاء؛ لأنه ليس للعباد أكثر من هذا. انتهى. قرطبي. {وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: مر معنا كثير من هذا، وقرئ:

«(والله غفور رحيم)» هذا؛ والآية نزلت في الثلاثة الذين يجيء ذكرهم في الآية رقم [١١٨].

قال بعض المفسرين: إن الله تبارك وتعالى قسم المتخلفين عن غزوة تبوك إلى ثلاثة أقسام:

أولهم: المنافقون، وهم الذين مردوا على النفاق واستمروا عليه.

والقسم الثاني: التائبون، وهم الذين سارعوا إلى التوبة، بعد ما اعترفوا بذنوبهم، وهم أبو لبابة وأصحابه، فقبل الله توبتهم.

والقسم الثالث: موقوفون ومؤخرون إلى أن يحكم الله فيهم، وهم المراد بقوله تعالى:

{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ}.

والفرق بين القسم الثاني والثالث، أن القسم الثاني: سارعوا إلى التوبة والندم، فقبل الله توبتهم، والقسم الثالث: توقفوا ولم يسارعوا إلى التوبة، فأخر الله أمرهم، وهذه الآية نزلت في الثلاثة الذين تخلفوا، وهم (كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع)، انتهى خازن بتصرف. ويلغز فيهم، فيقال: أول أسمائهم مكة، وآخر أسمائهم عكة.

(إما) الثانية عاطفة عند أكثرهم، وزعم يونس والفارسي وابن كيسان: أنها غير عاطفة كالأولى، ووافقهم ابن مالك لملازمتها غالبا الواو العاطفة، ونقل ابن عصفور الإجماع على أن الثانية غير عاطفة كالأولى.

ول‍ «إما» خمسة معان: أحدها: الشك، نحو: «جاءني إمّا زيد وإما عمرو»، إذا لم تعلم الجائي منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>