للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩)}

الشرح: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}: هذا أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الغر الميامين بمقاتلة الكفار من أهل الكتاب، وعدم إيمانهم بالله هو أنهم يصفونه بصفات لا تليق به من اتخاذ الولد وغير ذلك، وعدم إيمانهم باليوم الآخر هو اعتقادهم بعثة الأرواح دون الأجسام، وأن أهل الجنة لا يأكلون فيها، ولا يشربون، ولا ينكحون. {وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ}: كالخمر، والخنزير، ونحوهما، وقيل: معناه: لا يحرمون ما حرّم الله في القرآن، ولا ما حرم رسوله في السنة، وقيل: معناه لا يعملون بما في التوراة والإنجيل، بل حرفوهما، وأتوا بأحكام من قبل أنفسهم. {وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} أي: لا يعتقدون صحة الإسلام الذي هو دين الحق، الثابت الناسخ لجميع الأديان، ومبطلها. {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ}: بيان للذين لا يؤمنون، وهم اليهود والنصارى، الذين أعطوا التوراة، والإنجيل. {حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} أي: حتى يدفعوا الجزية المقررة عليهم، وسميت جزية للاجتزاء بها في حقن دمائهم، وحفظ أموالهم، وحقوقهم، ومعنى {عَنْ يَدٍ} عن قهر، وغلبة، يقال لكل من أعطى شيئا كرها من غير طيب نفس: أعطى عن يد. {وَهُمْ صاغِرُونَ}: ذليلون حقيرون، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: الصغار هو جريان أحكام المسلمين عليهم، علما بأنها تسقط بالإسلام.

تنبيه: مفهوم الآية يقتضي تخصيص الجزية بأهل الكتاب، ويؤيده أن عمر رضي الله عنه لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر، وأنه قال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». وذلك لأن لهم شبهة كتاب فألحقوا بالكتابيين، وأما سائر الكفرة من الوثنيين؛ فلا تؤخذ منهم بل يقتلون، وعند الإمام مالك: تؤخذ من كل كافر إلا المرتد.

بعد هذا انظر الشرح {بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} في الآية رقم [١٩] و {اللهُ وَرَسُولُهُ}: في الآية رقم [١] من سورة (الأنفال) {حَرَّمَ}: انظر الآية رقم [١٤٥] الأنعام، {دِينَ الْحَقِّ}: انظر ما تقدم، وانظر {دِيناً} في الآية رقم [١٦١] الأنعام و {الْحَقِّ} في الآية رقم [٣٣] (الأعراف) {أُوتُوا}: أصله (أوتيوا)، فاستثقلت الضمة على الياء، فحذفت، فصار {أُوتُوا} ثم قلبت الكسرة ضمة لمناسبة الواو.

{الْكِتابَ}: انظر الآية رقم [٢] من سورة (الأعراف). {يَدٍ}: انظر الآية رقم [١٠٧] منها أيضا.

تنبيه: قال مجاهد نزلت الآية الكريمة حين أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتال الروم، فغزا بعد نزولها غزوة تبوك، وقال الكلبي: نزلت في قريظة والنضير من اليهود، فصالحهم، فكانت أول جزية أصابها

<<  <  ج: ص:  >  >>