للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩)}

الشرح: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها} أي: أضاءت بعدل ربها. قاله الحسن، وغيره. وقال الضحاك: بحكم ربها. والمعنى واحد؛ أي: أنارت وأضاءت بعدل الله، وقضائه بالحق بين عباده. والظلم ظلمات، والعدل نور. وقيل: إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض، فتشرق الأرض به. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: النور المذكور هاهنا ليس من نور الشمس، والقمر، بل هو نور يخلقه الله، فيضيء به الأرض. انتهى. قرطبي. هذا؛ وليس المراد بالأرض أرض الدنيا؛ لقوله تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} حيث تبدل أرض الدنيا بأرض جديدة يوجدها الله في ذلك الوقت؛ لتحشر عليها الناس.

{وَوُضِعَ الْكِتابُ:} قال قتادة-رحمه الله تعالى-: يريد: الكتب، والصحف؛ التي فيها أعمال بني آدم، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد اللوح المحفوظ. وأعتمد الأول، لقوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٤٩]: {وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ}. {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ} أي: ليدعي الأنبياء على أممهم: أنهم بلغوهم الرسالة، وذلك: أن الله تعالى يجمع الخلائق الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم الماضية: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} فينكرون، ويقولون: {ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} فيسأل الله الأنبياء عن ذلك، فيقولون: كذبوا! قد بلغناهم، فيسألهم البينة، وهو أعلم بهم إقامة للحجة، فيقولون: أمة محمد تشهد لنا، فيؤتى بأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فيشهدون لهم: أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا ذلك؛ وإنما كانوا بعدنا؟ فيسأل الله هذه الأمة، فيقولون:

أرسلت لنا رسولا، وأنزلت عليه كتابا مبينا، أخبرتنا فيه، بتبليغ الرسل، وأنت صادق فيما أخبرت. ثم يؤتى بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فيسأله الله عن أمته، فيزكيهم، ويشهد بصدقهم. انتهى.

جمل. وهذا فحوى قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٤٣]: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}.

وقال القرطبي: وقيل: المراد بالشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فيشهدون يوم القيامة لمن ذب عن دين الله. قاله السدي. قال ابن زيد: هم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، قال تعالى في سورة (ق): {وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ} فالسائق يسوقها إلى الحساب، والشهيد يشهد عليها، وهو الملك الموكل بالإنسان على ما يأتي بيانه في سورة (ق) رقم [٢١] إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>