آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وأجيز اعتبار {ما} حجازية، والجملة الاسمية جواب القسم لا محل لها، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله: أقسمتم، ولو جاء بلفظ المقسمين، لقيل: ما لنا من زوال، والكلام كله {أَوَلَمْ..}. إلخ في محل نصب مقول القول لقول محذوف؛ أي: فيقال لهم من قبل الله، أو من قبل الملائكة، والقول ومقوله كلام مستأنف لا محل له. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح:{وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ:} بالكفر والمعاصي كعاد، وثمود، فهلا اعتبرتهم فيما حل بهم من المقت والوبال. {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ} أي: وقد عرفتم، كيف كانت عقوبتهم. {وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ} أي: بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر، واستحقاق العذاب، والأمثال التي ضربها الله في القرآن للناس ليتدبروها، ويعتبروا بها، فيجب على كل من شاهد أحوال الماضين من الأمم الخالية، وعلم ما جرى لهم أن يعتبر بهم، ويعمل في خلاص نفسه من العقاب والهلاك، فاعتبروا يا أولي الألباب، يا أولي الأبصار.
هذا و (سكن) فالأصل فيه أن يعدى ب: «في» كقرّ، وغني، وأقام، وقد يستعمل بمعنى:
التبوّؤ، فيجري مجراه، كقولك: سكنت الدار، ومثله: دخل ونزل، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٤] وانظر شرح: {مَثَلاً} في الآية رقم [٢٤] وانظر شرح: {النَّفْسَ} في الآية رقم [٥٣] من سورة (يوسف) عليه السّلام، وتبيّن الشيء وبان وأبان، واستبان كله بمعنى: واحد، وهو لازم، وقد يستعمل بعضها متعديا، كما في قولك: استبنت الأمر، وتبينته، وأبنته بمعنى: عرفت حقيقته. تأمل، وتدبر.
الإعراب:(سكنتم): فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{أَقْسَمْتُمْ..}. إلخ فهي في محل نصب مثلها. {فِي مَساكِنِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و {مَساكِنِ:} مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، وجملة:{ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} صلة الموصول، لا محل لها. (تبين): ماض، وفاعله محذوف، التقدير: تبين حالهم، وخبرهم، وهلاكهم. {لَكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم للفعل بعده. وقيل: في محل نصب مفعول مطلق عامله ما بعده. وقيل:
في محل نصب حال، والأول: أقوى.
{فَعَلْنا:} فعل وفاعل. {بِهِمْ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية مفسرة للفاعل المحذوف. هذا؛ وأجاز بعض الكوفيين اعتبار الجملة الفعلية فاعلا للفعل (تبيّن)، وانظر ما