للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار، ولفظها مؤنث، فلذا جاز تأنيث فعله، ولا تنس: أنّ المخصوص بالذم محذوف، التقدير:

ساءت مرتفقا هي هي، فهي الثاني: هو المخصوص. هذا؛ وأجيز في مثل هذه الآية اعتبار:

(ساءت) بمعنى: أحزنت، فتكون متصرفة ناصبة للمفعول، وهو هنا محذوف أي: إن النار أحزنت أصحابها وداخليها، ويكون مرتفقا تمييزا، أو حالا، وهو تكلف لا داعي له.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠)}

الشرح: لما ذكر الله ما أعد للكافرين من الهوان؛ ذكر أيضا ما للمؤمنين من الكرامة، والثواب، وتلك سنة الله في كتابه العظيم حيث اقتضت حكمته تعالى ورحمته، فلا يذكر التصديق من المؤمنين؛ إلا ويذكر التكذيب من الكافرين، ولا يذكر الإيمان؛ إلا ويذكر الكفر، ولا يذكر الجنة؛ إلا ويذكر النار، ولا يذكر الرحمة؛ إلا ويذكر الغضب، والسخط؛ ليكون المؤمن راغبا، راهبا، راجيا خائفا، والمراد: ب‍: {(عَمِلُوا الصّالِحاتِ):} الأعمال الصالحات على اختلافها، وتفاوت درجاتها ومراتبها، ولا تنس: أن عطف العمل الصالح على الإيمان يسمى في فن البديع احتراسا، وهو يفيد: أن الإيمان وحده بدون العمل الصالح قد لا يكفي، كما أن العمل الصالح بدون إيمان لا يجدي، ولا يقبل. ومن قرأ القرآن بتدبّر، وتفهّم؛ يجد العمل الصالح معطوفا على الإيمان في كثير من الآيات. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٣] من سورة (الحجر)، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

فعن البراء بن عازب-رضي الله عنه-: أن أعرابيا قام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع؛ وهو واقف بعرفات على ناقته العضباء، فقال: إني رجل مسلم، فأخبرني عن هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ..}. إلخ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنت منهم ببعيد، ولا هم ببعيد منك، هم هؤلاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فأعلم قومك: أنّ هذه الآية نزلت فيهم». ذكره الماوردي. انتهى قرطبي. أقول وهي تشمل كل مؤمن، ومؤمنة قد عملا الصالحات إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم {إِنَّ،} وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، وجملة: {وَعَمِلُوا} معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {الصّالِحاتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وقد عرفت: أنه صفة لموصوف محذوف. {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل. و (نا): اسمها، وجملة: {لا نُضِيعُ..}. إلخ في محل رفع خبر (إنّ). {أَجْرَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {مَنْ} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل جر بالإضافة. {أَحْسَنَ:} ماض، وفاعله يعود إلى من، وهو العائد، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>