للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و {الْغَيْبِ} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية المقدرة: «هو عالم» مستأنفة، لا محل لها، واعتبارها حالا من {رَبِّي} ضعيف. {فَلا:} الفاء:

حرف استئناف، وتفريع. (لا): نافية. {يُظْهِرُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «هو» يعود على ما قبله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {عَلى غَيْبِهِ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَحَداً:} مفعول به.

{إِلاّ مَنِ اِرْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧)}

الشرح: {إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ} أي: فإن الله يظهره على شيء من غيبه، فهو كقوله تعالى في آية الكرسي: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ؛} لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها: الإخبار عن بعض الغائبات. قال تعالى حكاية عن قول عيسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في سورة (آل عمران) رقم [٤٩]: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} والمعنى لا يظهر الله على غيبه إلا من اصطفى للنبوة، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه ليكون ذلك دالا على نبوته.

قال العلماء-رحمهم الله تعالى-: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب، واستأثر به دون خلقه؛ كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم، ومن ضاهاه ممّن يضرب بالحصى، وينظر في الكتب، ويزجر بالطير ممن ارتضاه الله من رسول، فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله، مفتر عليه بحدسه، وتخمينه، وكذبه.

قال بعض العلماء: وليت شعري ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان، على اختلاف أحوالهم، وتباين رتبهم، فيهم: الملك، والسوقة، والعالم، والجاهل، والغني، والفقير، والكبير، والصغير، مع اختلاف طوالعهم، وتباين مواليدهم، ودرجات نجومهم، فعمهم حكم الغرق في ساعة واحدة؟ فإن قال المنجم قبحه الله تعالى: إنما أغرقهم الطالع، الذي ركبوا فيه، فيكون على مقتضى ذلك: أن هذا الطالع أبطل أحكام تلك الطوالع كلها على اختلافها عند ولادة كل واحد منهم، وما يقتضيه طالعه المخصوص به، فلا فائدة أبدا في عمل المواليد، ولا دلالة فيها على شقي، ولا سعيد، ولم يبق إلا معاندة القرآن العظيم، وفيه استحلال دمه على هذا التنجيم، ولقد أحسن الشاعر حيث قال: [الكامل]

حكم المنجّم أنّ طالع مولدي... يقضي عليّ بميتة الغرق

قل للمنجّم صبحة الطوفان هل... ولد الجميع بكوكب الغرق؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>