للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-لما أراد لقاء الخوارج: أتلقاهم؛ والقمر في العقرب؟! فقال-رضي الله عنه-، وكرم الله وجهه: فأين قمرهم؟! وكان ذلك في آخر الشهر، فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها، وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم، والإفحام لكل جاهل يحقق أحكام النجوم! وقال له مسافر بن عوف: يا أمير المؤمنين! لا تسر في هذه الساعة، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال له-رضي الله عنه-:

ولم؟ قال: إنك إن سرت في هذه الساعة؛ أصابك، وأصاب أصحابك بلاء، وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت، وظهرت، وأصبت ما طلبت! فقال-رضي الله عنه-:

ما كان لمحمد صلّى الله عليه وسلّم منجم، ولا لنا من بعده، في كلام طويل يحتج فيه بآيات التنزيل، فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ندّا، أو ضدّا. اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ثم قال للمتكلم: نكذبك، ونخالفك، ونسير في الساعة التي تنهانا عنها.

ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس! إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر، والبحر، وإنما المنجم كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم، وتعمل بها؛ لأخلدنك في الحبس ما بقيت، وبقيت! ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان! ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها، ولقي القوم، فقتلهم، وهي وقعة النهروان الثابتة في الصحيح لمسلم، ثم قال: لو سرنا في الساعة، التي أمرنا بها، وظفرنا، وظهرنا؛ لقال قائل: سار في الساعة، التي أمر بها المنجم، ما كان لمحمد صلّى الله عليه وسلّم منجم، ولا لنا من بعده، وفتح الله علينا بلاد كسرى، وقيصر، وسائر البلدان، ثم قال: أيها الناس! توكلوا على الله، وثقوا به، فإنه يكفي عن سواه. انتهى. قرطبي بحروفه.

أقول: ومن هذه المشكاة ما قيل للمعتصم العباس حينما أراد غزو عمورية، ولكنه خالف المنجم، وانتصر، وفي ذلك قال شاعره أبو تمام: [البسيط]

السّيف أصدق أنباء من الكتب... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

أقول: نص الآية الكريمة يفيد صراحة: أن الله عز وجل يطلع من ارتضى، واختار من الرسل على شيء من الغيب، وكذلك يطلع بعض أوليائه على شيء منه، وقد أثبت أهل السنة كرامات الأولياء، خلافا للمعتزلة، وأن الله-عز وجل-يجوز أن يلهم بعض أوليائه وقوع بعض الوقائع في المستقبل، فيخبر به، وهو من إطلاع الله إياه على ذلك، ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد كان فيمن قبلكم من الأمم ناس محدّثون، من غير أن يكونوا أنبياء، وإن يكن في أمتي أحد؛ فإنه عمر بن الخطاب». أخرجه البخاري. قال ابن وهب: تفسير «محدثون»: ملهمون. ولمسلم عن عائشة-رضي الله عنها-عن

<<  <  ج: ص:  >  >>