وقد لعن الفاروق-رضي الله عنه-أبا سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي، وغيرهم الذين قدموا المدينة المنورة بعد غزوة أحد، وقد أعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم جماعة من المنافقين، وقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ارفض ذكر آلهتنا بسوء، وقل: إن لها شفاعة لمن عبدها، وندعك وربك، فشق ذلك على سيد الخلق، وحبيب الحق، فقال الفاروق: يا رسول الله! ائذن لي في قتلهم. فقال:«إني قد أعطيتهم الأمان». فقال الفاروق -رضي الله عنه-: اخرجوا في لعنة الله، وغضبه، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك. كيف لا؟ وآية (النور) رقم [٧] تأمر المسلم أن يلعن نفسه؛ إن كان من الكاذبين.
وأما العصاة من المسلمين فلا يجوز لعن واحد منهم على التعيين قطعا، وأما على الإطلاق فيجوز كما في قولك: لعن الله الفاسقين، والفاسقات، والفاسدين، والفاسدات... إلخ، لما روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:«لعن الله السارق يسرق البيضة، والحبل، فتقطع يده». ولعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«الواشمة، والمستوشمة وآكل الرّبا، ولعن من غير منار الأرض، ومن انتسب إلى غير أبيه، ومن عمل عمل قوم لوط، ومن أتى امرأة في دبرها، وغير ذلك». وكل هذا في الصحيح من الأحاديث، والله أعلم، وأجل، وأكرم.
الإعراب:{رَبَّنا:} انظر مثله في الآية السابقة. {آتِهِمْ:} فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر، تقديره:«أنت»، والهاء مفعول به أول. {ضِعْفَيْنِ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {مِنَ الْعَذابِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة:{ضِعْفَيْنِ}. {وَالْعَنْهُمْ:} الواو: حرف عطف. (العنهم): فعل دعاء أيضا، والهاء مفعول به. {لَعْناً:} مفعول مطلق. {كَبِيراً:} صفة له، والآية بكاملها في محل نصب مقول القول أيضا.
الشرح: لما ذكر الله المنافقين والكفار الذين آذوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين؛ حذر المؤمنين من التعرض للإيذاء، ونهاهم عن التشبه ببني إسرائيل في إذايتهم نبيهم موسى. واختلف الناس فيما أوذي به محمد صلّى الله عليه وسلّم، وموسى عليه السّلام، واذكر ما يلي: